علم نفس "الرئيس"

من المفارقات أنه وفقاً للاستراتيجية العسكرية القومية للولايات المتحدة الأميركية 2015 (المنشورة في حزيران (يونيو) 2015)، فإن إيران صُنِّفت وفق نصها بأنها "دولة راعية للإرهاب عملت على تقويض الاستقرار في الكثير من الدول؛ بما في ذلك إسرائيل ولبنان والعراق وسورية واليمن. وأدت أفعال طهران إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة ومعاناة أعداد كبيرة من الأشخاص في الوقت الذي عملت فيه على حرمان الشعب الإيراني من إمكانية تحقيق مستقبل زاهر". ومع ذلك، جاءت منطلقات الرئيس باراك أوباما حيال الأمن القومي الأميركي، كما بدت في مقابلته مع مجلة "ذي أتلانتيك"، تنظر إلى إيران بوصفها شريكاً جديراً بثقة واشنطن، بعكس الشركاء العرب والأتراك والباكستانيين، كما ذكر أوباما؛ الذي أظهرت الآراء التي عبّر عنها في المجلة أن ثمة تبايناً بين ما يقوله وما تقوله مؤسسات سيادية أميركية ومراكز تفكير ودراسات أميركية، مثل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي أوصى في كتاب "التوقعات العالمية للعام 2016" بما نصه: "يتعين على الولايات المتحدة مواجهة نفوذ إيران المتزايد في أربع دول مهمة، هي لبنان وسورية والعراق واليمن، إلى جانب التحدي المتزايد الذي تشكله فيما يتعلق باتصالاتها مع الشيعة في دول الخليج العربية. وتشترك واشنطن وطهران في مصلحة مشتركة محدودة تتمثل في قتال تنظيم "داعش" وحركات سُنّية عنيفة أخرى، لكن من المهم ألّا ننسى أن الثورة الإيرانية هي شكل من التطرف الديني". اضافة اعلان
هذه الاستدراكات مهمة لفتح نقاش معمق حول طبيعة وآليات صنع القرار في إدارة أوباما؛ وذلك لأنّ ثمة اختلافاً في كثير من الأحيان بين رأي المؤسسات السيادية الأميركية وخططها السنوية، وبين ما قاله أوباما في "ذي أتلانتيك".
الجدل حول شخصية أوباما وأبعادها النفسية ليس جديداً، لكنّ مقابلة "ذي أتلانتيك" أعادت طرح هذا الجدل بقوة. واتهام أوباما بضعف الشخصية، أو أنه يعاني عقد نقص تمنعه من اتخاذ قرارات جريئة، ليس في محله، أو على الأقل لا يعبر بدقة عن الصورة الكلية للرئيس الأميركي.
فأوباما، أولاً، غير مخاطر (إلا إذا تعرضت المصالح الأميركية للخطر). وهو، ثانياً، يرغب في التفرد والتميز (المصالحة مع إيران وكوبا)، ويخشى مآل الرئيس جورج بوش الابن. وينبغي، ثالثاً، ألاّ تغيب الخلفية الاجتماعية والإثنية للرئيس في تحليل منطلقات مواقفه وسياساته، فهو شديد الاهتمام بأن يُظهر لمستشاريه أنه يعرف ما يعرفونه وزيادة، (مثال ذلك قوله لسامانثا باور وهي تجادله بضرورة التدخل في سورية: "سامانثا، كفى، لقد قرأتُ كتابك بالفعل". وكتاب سامانثا المقصود هو "مشكلة من الجحيم" الذي نشر في العام 2002، وينتقد بشدة عددا من رؤساء الولايات المتحدة لفشلهم في منع الإبادة الجماعية. وقد أحبط تحفّظ أوباما باور وآخرين في فريق الأمن القومي الأميركي الذي كان يفضل التدخل في سورية). أما الأمر الرابع، فهو أنّ النسبية الحذرة مهمة في التحليل النفسي لمنطلقات "عقيدة أوباما"، ذلك أنّ موقف أوباما الجريء مع بنيامين نتنياهو كما ظهر في المقابلة، تُظهر شخصيّة مُواجِهة، إضافة إلى أنّ صفقة الاتفاق النووي التي أبرمها مع إيران تثبت أن أوباما ليس من النوع الذي يُحجم عن خوض غمار المخاطر حين يرى، بحسه البراغماتي والواقعي الطاغي، أن مصلحة أميركا تكمن هناك. وهذا المحرك جعله يراهن بالأمن العالمي وبسمعته وإرثه الشخصي على أن واحدة من الدول الرائدة في دعم الإرهاب في العالم ستلتزم اتفاقية تفرض عليها الحد من برنامجها النووي. وهو المنطلق ذاته في حماسته للمصالحة مع كوبا.