على هامان يا فرعون ؟

يقول بعض علماء الاقتصاد إن سياسات التقشف الحكومي التي اتخذتها معظم دول العالم كمنهج يهدف للتخفيف من أعباء الأزمة المالية العالمية والعجز المحلي، كانت بمثابة القتل الرحيم، لفكرة خطوات التعافي المدروسة بعناية، ويبررون ذلك، بعد عامين من التجربة المريرة، أن فكرة التقشف تعمل على المدى البعيد، على تعطيل عجلة النمو ولفظ المزيد من البطالة ومحاصرة نوعية الأداء وتؤثر في ضبط الجودة وبالتالي فإنها تعاكس فكرة التعافي، حتى لو أبدت على المدى القريب، قدرتها على خفض العجز في الميزانية وحققت تخفيضات كبرى عليها.

لأول وهلة، تبدو هذه النظريات، غير معقولة، ويردّ خبراء الاقتصاد، وهم أقل شأنا من علمائه، أن البديل الوحيد المقترح لسياسات التقشف هو رفع الضرائب، وهي محاولة للوصول إلى هدنة مقنعة مع جداول الديون والالتزامات والميزانيات العمومية، والمحافظة على نسبة عجز لا تتجاوز المدى الذي اختبرته في العامين الفائتين.

يقترح عالم الاقتصاد الأميركي جوزيف يوجين ستيغلتز، الحائز على جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية عام 2001، بدائل أخرى، من ضمنها، أن زيادة الإنفاق على الاستثمارات العامة ذات العائد المرتفع قادر على خفض الدين الحكومي في الأمد البعيد، وبحيث يفتح المجال أمام الفرص الاستثمارية التي قد تتجاوز عائداتها 10 % للاستمرار أو النهوض، فتحقق على المدى البعيد، للجميع، أفقا أوسع، من العائدات التي ستعمل بلا شك على دعم الموازنة والمساهمة في سداد الديون، حتى لو تسببت في اتساع العجز على المدى القريب.

ومع أننا نتفق معه على أن خفض الإنفاق العسكري، بالنسبة لدولة مثل أميركا، قد يكون بديلا فعّالا لفرض المزيد من الضرائب، إلا أننا في الأردن، ليس أمامنا خيار أفضل من دعم القوات المسلحة بالمحافظة على الإنفاق العسكري، في حدوده الدفاعية المعقولة، خصوصا ونحن في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.

اضافة اعلان

وقبل أن نتسرع، في إقرار "تجريم" الموازنة العامة، مشتملة على بنود كثيرة في التقشف، علينا أن نختبر ونقيّم، بأمانة كاملة، السلبيات والإيجابيات التي جاءت بها أفكار التقشف وضبط النفقات في الميزانية السابقة، ونراجع الإيرادات والنفقات العامة ونلاحظ عن طريق التقييم، الانعكاس "النفسي" على الأداء العام، وهو مسألة في غاية الحساسية، وكذلك نرصد بدقة كل عمليات التحايل غير المباشرة، لاستبدال التقشف ببدائل مرهقة أكثر، كالمسؤول الذي استبدل السيارات الحكومية الخمس في الحكومة السابقة بسيارات من المشاريع، لإيهام الجميع أنه يوفر على خزينة الدولة، وغيرها من الحيل القديمة المكشوفة، التي ليس الوقت وقتها، ويستطيع أي شخص أن يخمن، وسائلها ونهايتها، باستخدام مبدأ: على هامان يا فرعون؟ هذا هو السؤال: هل نستطيع تحمل المزيد من العجز مع توفر بدائل للتعافي في المدى البعيد أم نعود إلى سيناريوهات التقشف ونضبط كل محاولات التحايل ونستمر في الخطط القصيرة ونعتبرها خيارنا الوحيد؟

[email protected]