كفى تعطيلا لسن قانون أصول التقاضي وإجراءاته لدى المحاكم الكنسية (2/1)

تتعطل حياة مئات الأردنيين والأردنيات نتيجة وقوف رجال دين مسيحي ضد إصدار نظام موحد لأصول التقاضي وإجراءاته أمام محاكم تسمّى مجالس الطوائف المسيحية، رغم ورود ذلك في قانون سنّ قبل ثلاث سنوات لتنظيم هذه الإجراءات الشكلية بين 11 طائفة معترفا بها رسميا في المملكة. اضافة اعلان
لم يعد السكوت ممكنا في القرن الواحد والعشرين على تغييب نظام عصري لتحقيق العدالة بين جميع أبناء وبنات الطائفة المسيحية، بما يكسر احتكار رجال دين لقرارات المحاكم الكنسية واستمرار اجتهادات "قضاة" غير مؤهلين، تفضي في أحيان عديدة إلى تنغيص حياة أسر مسيحية.
ففي 2014، أقرّ مجلس الأمّة قانون مجالس الطوائف المسيحية (رقم 28)، بما فيه من نصوص تستوجب وضع نظام أصول التقاضي، مع الحفاظ على خصوصية كل طائفة. وكان من المفترض العمل بهذا النظام  بعد 30 يوما من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية.
لكن الوضع ما يزال على حاله ولم تتخذ إجراءات ملحّة لتبسيط إجراءات الأحوال الشخصية لأتباع طوائف الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، الأرمن، اللاتين، البروتستانت الأنكليكانية التي حملت لاحقا اسم الطائفة الإنجيلية الأسقفية العربية، المارونية، والإنجيلية اللوثرية العربية، والسريان الأرثوذكس، الادفنتست السبتيين الإنجيلية، العنصرة الدولية المتحدة والأقباط الأرثوذكس.
قبلها لم يفلح رؤساء الطوائف في الاتفاق على توحيد رسوم رفع  القضايا أمام المحاكم الكنسية. هذه الرسوم تتفاوت بدرجات غير معقولة أو مقبولة مقارنة بالرسوم التي تدفع أمام المحاكم المدنية والشرعية فيما يتصل بقضايا الطلاق والنفقة مثلا. أما موضوع العدالة الكنسية في تقسيم الإرث بين الرجل والمرأة، فله مقام آخر.
وتستمر خلافات رؤساء الطوائف خلف الكواليس خشية فتح الباب للتدخل في شؤون طوائفهم. وتتشبث الطوائف بقوانين تعود إلى عصور غابرة وتخلط بين السياسة والدين والعادات والتقاليد. أما الحكومة، فتقف متفرجة دول أن تتدخل لتطبيق القانون الذي وشّح بإرادة ملكية سامية.
تخيلوا معي، لم يستفد هؤلاء الرؤساء من قرار الحكومة بمنحهم هذه الاستقلالية وباتوا اليوم بحاجة لرقيب على عملهم من خلال مسألتين أساسيتين: الأولى شكلية تتمثل في تغييب نظام أصول التقاضي وإجراءاته أمام تلك المحاكم وبخاصة طائفة الروم الارثوذكس، التي تشكّل قرابة 60 % من مسيحيي الأردن، وأنا واحدة من بين آلاف غير راضين عما يدور داخل طائفتنا. والثانية موضوعية تتصل بعدم صدور قانون أحوال شخصية للطوائف المسيحية أسوة بالقانون الخاص بالأسرة المسلمة.
ولم يصدر النظام رغم أن (المادة 31) من قانون مجالس الطوائف المسيحية منحت مجلس الوزراء حق إصدار الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكامه، بما في ذلك نظام أصول التقاضي وإجراءاته ومحكمة استئناف الطائفة المسيحية في المملكة. ويبدو أن للدولة حسابات مختلفة بسبب حساسية الموقف سياسيا.
المشكلة أن لدى كل طائفة قانونا مختلفا ما يؤدي إلى تشتيت الأسرة المسيحية الواحدة. فهذه الأسرة تواجه نفس المشاكل التي تواجه الأسرة المسلمة، لكن العقبة في القوانين.
حتى اليوم، لا يوجد للأرثوذكس قانون أصول محاكمات أو حتى قانون موضوعي فيما يتصل بمسألة الأحوال الشخصية. طائفتا اللاتين والكاثوليك تعتمدان قانون أصول محاكمات مرتبطا بالكرسي الرسولي (الفاتيكان) بروما. أما الطوائف الأخرى، فليس لديها قانون أصول محاكمات بل تلجأ للاستئناس بقانون أصول المحاكمات المدنية أمام المحاكم النظامية.
عرقلة إصدار نظام موحد يعني إهدار العدالة وغياب المساواة في التقاضي في مخالفة للشرائع السماوية والنص الدستوري. إذ يلجأ القاضي للاجتهاد في تطبيق الإجراءات التي يراها مناسبة من زاويته، وقد يلحق ذلك ضررا بأحد طرفي القضية. من يريد أن يعرف أكثر عن تلك الخروقات، عليه زيارة المحاكم الكنسية ليرى الويلات، بخاصة إذا لم يكن المحتكم من أصحاب النفوذ والجاه.
الغرض من سن قانون 2014 كان تحقيق العدالة أمام المحاكم وليس إجهاضها. أتساءل ماذا يقول المسيح عليه السلام وهو يراقب حال رعيته على الأرض؟
على أن ما يطبّق الآن جزر منعزلة من أحكام تعود لعصور غابرة. 
يعتمد الروم الأرثوذكس " قانون العائلة البيزنطية" العائد لعهد الدولة البيزنطية، التي سقطت عام 553. أحكام هذا القانون خارج سياق العصر. ومن يطلّع على مواد القانون غير المتاح للعامة يصاب بصدمة من هول الإجحاف والظلم اللذين يقعان على المرأة. هذا القانون لم يصدر بالجريدة الرسمية ومعروف حصرا لدى المحامين أمام هذه المحكمة الكنسية.
المادة 248 منه تنص: يجوز للزوج أن يطلب الطلاق من زوجته إذا تسببت هي بالطلاق وذلك:
-         "إن لم يجدها بكرا يوم العرس. في هذه الحال، وجب عليه إعلان ذلك لرئاسة الكنيسة المحلية العليا وإثبات الدعوة"؛ أو: "إذا كانت الزوجة تنادم رجالا غريبين عنها وتشترك معهم في الولائم أو تستحم معهم (النديم هو الصديق في شرب الخمر)؛ أو: "إذا ذهبت الى حفلات السباق والتمثيل والصيد دون علم زوجها ورغم  منعه إياها من الذهاب".
-         أو "إذا قضت الزوجة ليلتها بالرغم عن زوجها خارج بيتها إلا اذا طردها زوجها منه أو إذا أقامت في بيت والديها أو في بيت أقربائها إذا لم يكن لها والدان.
صحيح أن غالبية قضايا الطلاق التي تتم في هذه الكنسية تكيّف وفق بنود أساسها استحالة استمرار الحياة الزوجية. لكن هذه النصوص التي عفا عليها الزمن موجودة، والجميع يفضّل عدم التكلم عنها لحماية خصوصية الطوائف وبريستيج العائلة المسيحية الكبيرة.
وجه آخر للإجحاف بحق الزوجة المسيحية عندما تذهب الى المحكمة لترفع قضية إعالة ونفقة، فيطلب منها 350 دينارا كرسوم، لكي تحصل على 50 دينارا، مثلا. وعند استئناف القرار  يجب عليها دفع 1000 دينار! فكيف لزوجة محتاجة لا تعمل وبدون سند عائلي أن تقيم دعوى للمطالبة بحقها وحقّ أبنائها. في المحاكم الشرعية يكلّف تسجيل هكذا قضايا بضعة الدنانير.
قانون الطائفة الكاثوليكية يستوجب التعديل أيضا بسبب عدم صلاحية معظم نصوصه في عالمنا الحديث. صحيح أن الطلاق ممنوع في هذه الكنيسة، لكن هناك إمكانية إبطال الزواج وفق شروط محددة.
مرة أخرى الأمل كبير في أن تعمل الحكومة لحماية أبناء هذه الطوائف وبناتها. فقواعد الدولة الأساسية تقوم على أن القضاء وظيفة من وظائفها وواجب عليها أن تؤمن لمواطنيها قضاة مؤهلين وتشريعات قانونية تتماشى مع أحكام الدستور وعادات المجتمع وتقاليده.
فأين كل ذلك في المحاكم الكنسية؟ من يرأف بالأسرة المسيحية.
ختاما، يطول الحديث في هذه المسألة الإشكالية التي تعد من التابوهات المجتمعية. لكن عدم وجود قانون أحوال شخصية موحد للمسيحيين يعني أن كل طائفة تتمسك بقانونها وفي أحيان كثيرة بنصوص بالية تخص الماضي البعيد.
في السابق كانت الحكومة تقول إنها لن تقترب من فكرة قانون أحوال شخصية موحد قبل أن يكون هناك إجماع بين أركان الطوائف ال 11. لكن بما أن مفهوم الإجماع مفقود عند رؤساء هذه الطوائف حتى على أبسط الأمور، نرجو من الدولة أن تتدخل لإنصاف أتباع هذه الطوائف من خلال فرض قانون أحوال شخصية موحد في حال أصرّ رؤساء الطوائف على رفض أي بدائل منصفة.
هناك فرصة في الأفق بخاصة أن مجلس الأمّة سيناقش قريبا تعديلات على قانون الأحوال الشخصية للمسلمين. فلماذا لا نتحرك لتغيير هذا الواقع!