من هم المقصّرون؟!

تتعدد الآراء والاتجاهات في تقييم مستوى تعامل أمانة عمان والأجهزة المختصة الأخرى، مع حجم الفيضانات الاستثنائي الذي حدث في عمان؛ بين من يخفف من كاهل المسؤولية عن "الأمانة" والحكومة، ومن يلقي بالمسؤولية واللائمة الكاملة على "الأمانة" أو الحكومة والمسؤولين!اضافة اعلان
خلال الأيام الماضية، وصلتني تقارير وآراء عديدة في هذا السياق، كنت أودّ الحديث عنها. لكن المساحة القصيرة للمقال تكفي للإشارة إلى أنّ هناك آراء علمية قدمها خبراء في هذا المجال، وتوصيات ونصائح للتعامل مع المراحل المقبلة، ومثل هذه الظروف الطارئة. لكن ما لفت انتباهي هو التقرير الذي قدّمته الحكومة البريطانية عن الفيضان الكبير الذي حدث هناك في العام 2014، وعن جهودها في التعامل مع نتائجه وكلفته، والأدوار التي قامت بها المؤسسات المختلفة لتعويض المتضررين (وقد دُفعت ملايين الجنيهات الإسترلينية) والإدارات المحلية، واستنفرت المؤسسات المختلفة لمواجهة الفيضان القادم.
لماذا لفت هذا التقرير انتباهي؟ لأنّني كنت أقرأ حينها الخبر الذي بثّته وكالة الأنباء "بترا" عن تصريحات رئيس الحكومة
د. عبدالله النسور، بعد اجتماع مجلس الوزراء، وتسلّمه تقريراً من وزير الداخلية عن الفيضانات ودور الأجهزة المعنية. وهو التقرير الذي ندعو إلى إعلانه على الملأ وتقديمه للرأي العام الأردني لتقييم ما حدث، ونعرف بصورة علمية ودقيقة من هي الجهات المقصّرة، بما أدى إلى مضاعفة نتائج الفيضان سلبياً!
بالضرورة، كمية الأمطار التي هطلت كبيرة. وبالضرورة، كذلك، هناك مشكلة كبيرة في البنية التحتية وقدرتها على مواجهة مثل هذه الظروف غير الطبيعية. وبالضرورة، ثالثاً، هناك جهود مهمة وكبيرة بذلت من قبل الأمن والشرطة وموظفين في "الأمانة" لمواجهة آثار المنخفض. لكن، في المقابل، من الواضح أنّ هناك تقصيراً حدث على أكثر من جبهة، وأنّ هناك فشلاً في الاستعداد للمنخفض من أكثر من طرف، وأنّ هناك حلقات مفقودة في الجهود الرسمية وتقدير المطلوب مسبقاً لهذا الفيضان!
بدلاً من ذلك، وربما الأسوأ من الفيضان نفسه بما صدم المواطنين الأردنيين، هو محاولات التنصّل من المسؤولية، واختفاء المسؤولين عن المشهد، وحتى عن تداعياته ونتائجه ميدانياً.
الأغرب من هذا وذاك، أنّ سلوك المسؤولين الحكوميين، وهو الذي يتكرر، يتمثل في أننا نفتقدهم عندما تقع حوادث كبيرة ومؤثرة. فبدلاً من أن يتواجدوا ويقدموا خطاباً للرأي العام، ويتفقدوا موقع الحدث، ويشاركوا الناس آثاره ونتائجه، يختفون، وكأنّهم يريدون أن يقولوا ليس لنا علاقة، نحن الحكومة، بما حدث، والمسؤولية على "الأمانة" أو البلديات؛ وهذا غير صحيح، لا دستورياً ولا سياسياً، ولا حتى أدبياً!
كنت قد أشرت إلى تقرير الحكومة البريطانية من المنخفض؛ فالمسؤولية تقع على الجميع، وعلى أغلب الوزراء، لأنّهم وإن كانوا يعتبرون أنفسهم "تكنوقراطاً"، إلاّ أنّهم بموجب الدستور والأعراف السياسية مسؤولون بالتضامن عن كل ما يقع ضمن الحدود الأردنية، وليس فقط وزير الداخلية وحده -الذي تواجد في موقع الحدث- هو المسؤول أمام المواطنين والرأي العام!
مرّة أخرى، ثمة إخفاق في الرسالة السياسية والرمزية للشارع، وفي ترسيم معنى المسؤولية الأدبية، وفي التحلي بالشجاعة المطلوبة في تحديد المقصّرين والمنجزين الحقيقيين!