هكذا تأخر الإصلاح

بالجملة، تعطلت فرص الإصلاح بين الحكومة والمعارضة. الحكومة ترددت في محاورة المعارضة، وخاصمت حراك الشباب في المحافظات، وتلكأت في مكافحة الفساد، وتمترست خلف قانون الصوت الواحد، وجاءت بتشكيلات وزارية لا ترقى إلى مستوى المرحلة. ثم حركت البلاد إلى الانتخابات النيابية في ظل انقسام، وضع مستقبل مجلس النواب السابع عشر تحت ضغوط مسؤوليات يصعب عليه تحملها.اضافة اعلان
الإخوان المسلمون؛ أكبر وأهم قوى المعارضة، فاجأوا الجميع بمطالب تشكل تغيراً جذرياً في علاقتهم بالدولة، وقواعد المعادلة التي تحكم هذه العلاقة، عندما أصروا على مطالبتهم بتعديل المواد 34 و35 و36 من الدستور الخاصة بصلاحيات الملك، والعودة إلى قانون انتخاب العام 1989. وكان ثمة تشدد واضح في إدارتهم لأزمة العلاقة مع الدولة، تحت تأثير شعورهم بصوابية رؤيتهم، وبخصوصية تقديرهم لمعطيات الربيع العربي التي هزت صورة الأنظمة بشكل كبير.
الجبهة الوطنية للإصلاح فقدت القدرة على المبادرة الخلاقة بفعل تناقضات الخليط السياسي والفكري التي انتقلت إليها من العلاقة القلقة على الساحة الحزبية، وفي أوساط نخبة الفكر والسياسة. وقبل أن تنقسم في موقفها من المشاركة في الانتخابات النيابية، كانت الجبهة على غير وفاق بشأن إطار تنظيمي أشد تماسكاً، وقيادة جماعية أكثر فعالية. واكتفت بالالتفاف حول قيادة رئيس الجبهة، أحمد عبيدات، محملة إياه ما هو فوق طاقته. ومثل الإخوان المسلمين، لم تحفل الجبهة كثيراً أيضاً بالتواصل مع شباب الحراك وضمهم شريكاً في صفوفها. وتلقت آخر وأهم إنذار لها بانسحاب معظم الأحزاب القومية واليسارية منها، مفضلة المشاركة في الانتخابات على الاستمرار في الانخراط في صفوف الجبهة.
الأحزاب القومية واليسارية لم يفارقها توجسها من مواقف الإخوان المسلمين، وترجمت ذلك نحوهم في ساحات الاعتصام، وفي تجربة التحالف الذي جمعهما في الجبهة الوطنية للإصلاح. ولم تسلم العلاقة فيما بين هذه الأحزاب نفسها من خلافات، بدأت على خلفية تفاوت درجات قبول كل منها بمخرجات لجنة الحوار الوطني. ثم وجدت في عدم تطابق مواقفها من قانون الانتخاب سبباً آخر للخلاف. على أن خلافها الأخير كان مع حلفائها في جبهة الإصلاح حول المشاركة في الانتخابات. وعندما وجدت خيارها في المشاركة -ما عدا حزب الوحدة الشعبية- فقد كانت مستعدة لدفع ثمن ذلك انسحابها من الجبهة.
حراكات الشباب في المحافظات، وحراكات عمال الحكومة وموظفيها، بدأت مطلبية واقتصادية، وانتهت سياسية بفعل الاحتقان السياسي وانسداد قنوات الحوار معها من قبل الحكومة، وتداعيات ومفاعيل الربيع العربي. وقد عانت هذه الحراكات بدورها من نقص في التجربة التنظيمية، وافتقرت للقيادات صاحبة الخبرة في العمل العام. وزاد على ذلك تباعد المعارضة من حولها، مما بعثر صفوفها، وقلل كثيراً من نتائج أدائها.
في غياب وحدة السياق العام لحركة قوى المعارضة، وافتقاد الرؤية الواضحة بعيدة المدى لدى الحكومة، ضاعت فرصة بناء أرضية مشتركة لحوار فعال يفضي إلى توافق وطني. ولم تفلح الحكومة في إدارة حوار مجزأ مع المعارضة، مستعينة بقنوات خلفية. محاولة الحوار الجادة الوحيدة التي سعت إليها الحكومة هي لجنة الحوار الوطني. ويبدو أن الحكومة راهنت على احتواء اللجنة أو انفضاضها على اختلاف بين قوى المعارضة. فما إن خاب رهانها، حتى طوت صفحة اللجنة، وتبرأت من وثيقتها، لتلقى نفس مصير وثيقة الميثاق الوطني التي سبقتها العام 1990.

[email protected]