أولوية إنقاذ "وادي الأردن"

لا يعلم سعد أين المفر؛ فهناك 40 قضية تلاحقه في المحاكم، وهو مطلوب للتنفيذ القضائي. علاوة على أن عددا من البنوك تنتظر منه سداد شيكات لا طائل له بها. اضافة اعلان
سعد كان نموذجا للمزارعين في وادي الأردن، وتصدر قائمة زملائه في تصدير الخضار والفواكه إلى أوروبا، من خلال أكثر من 800 بيت بلاستيكي قبل خمس سنوات. لكن لا تصدير اليوم نهائيا؛ فالحدود مسدودة أمام محاولاته، حتى بعد أن تبقى له 51 بيتا بلاستيكيا فقط.
هذه الصورة المحبطة لا تطال سعدا فحسب، بل تمتد لتشمل أكثر من خمسة آلاف مزارع في وادي الأردن، بلغت خسائرهم نحو 3 مليارات دينار، منذ بدأ النظام السوري حربه المفتوحة في سورية، وتسللت النيران التي اندلعت هناك على شكل كوارث اقتصادية تمس ملايين الأردنيين المرتبطين بواقع الزراعة ونتاجها، علاوة على تأثرهم بقطاعات اقتصادية أخرى بسبب استمرار الحرب في الداخل السوري، ومثلها في الجارة الشرقية؛ العراق الذي كان ملاذا حيويا لحصاد المزارعين الأردنيين.
إنتاج وادي الأردن من المزروعات يكفي حاجة السوق المحلية ست مرات؛ فأين يذهب المزارعون بفائض منتجاتهم؟ الحدود مغلقة. ومن كان يصدر أكثر من ربع مليون طن إلى العراق، ومثلها إلى سورية، وكذلك نحو 60 ألف طن إلى أوروبا الشرقية، ليس أمامه في اللحظة الراهنة أي خيار. فما المطلوب من الحكومة لحلحلة هذه الأوضاع؟
لا يعقل أن تقف الحكومة عاجزة بالمطلق أمام هذه الظروف القاسية. وفي الأخبار الكثير من اللقاءات التي تكشف عمق التواصل مع الخليج، لكن لا نتائج تذكر في جانب تسويق مزروعات الأردن، وإيجاد مؤطئ قدم لمزارعينا في أسواق الدول العربية هناك. والطرح هنا ليس نظريا أو سهلا، بل يتطلب همة حكومية استثنائية لتسويق المنتجات، من خلال تصدر الموضوع لقاءات المسؤولين الأردنيين مع نظرائهم الخليجيين.
وعلى الحكومة أن تفكر أيضا بالبدائل، لا أن تستسلم لأن الأسواق سدت في وجه القطاع الزراعي. وهي مهمة ضرورية وعاجلة، تستوجب تنسيقا وتكاملا كبيرا بين الحكومة والقطاع الخاص المعني بهذه الأزمة، كي يتسنى فتح صفحة جديدة، وتجاوز أي تصعيد في غضب المزارعين. علاوة على أن موقف جل المزارعين المقدر برفضهم التصدير عبر الشاحنات الإسرائيلية إلى ميناء حيفا، يجعلنا جميعا في شراكة إنقاذهم، بعيدا عن موقف المتفرج الذي سيؤسس لواقع اجتماعي جديد في وادي الأردن؛ إذ إن السجن ينتظر الكثير من أبنائنا الذين انخرطوا في هذا القطاع بإخلاص وأمل على مر السنوات الماضية.
ثمة ما يساعد أيضا في ترحيل الأزمة والتخفيف من وطأتها، وهو أن يكون ضمن أولوية الحكومة البحث عن قرارات تخفف من فوائد القروض التي يتحملها المزارعون، وقد تعثروا في تسويق منتجاتهم. وفي موازاة ذلك تسهيل الإقراض أمامهم، ورفد ميزانية مؤسسة الإقراض الزراعي الشحيحة بمزيد من الأموال لخدمة هذه الحلول المؤقتة في هذا الظرف الصعب، لاسيما وأن خسائر المزارعين تجاوزت مليار دولار في الموسم الزراعي 2015/ 2016.
ليس في مصلحة الاقتصاد أن يرتمي مزارعونا في الحضن الإسرائيلي. وعين الكارثة أن ينتهي المزارعون إلى السجون. ومسؤولية القطاعين العام والخاص تكبر في الظروف الاستثنائية، بما يتطلب جهودا حثيثة لا تصريحات وتبريرات لا تسمن ولا تزيل شبح السجن الماثل في واقع ومخيال كثير من مزارعي الأردن اليوم.