الباحثون عن فرصة للعيش

عاد المشهد الاقتصادي ليتصدر قائمة القلق والاهتمام، بعد أن تقدم على المسرح العامل الأمني مؤخرا، تبعا لتطورات محلية وخارجية. وبات من الواضح أن حكومة د. هاني الملقي ستقدم على اتخاذ قرارات عديدة، ليس آخرها رفع سعر كل ليتر من المحروقات بمقدار قرشين ونصف القرش دعما للخزينة، وفقا لاتفاق رسمي مع صندوق النقد الدولي.اضافة اعلان
الأثر ذاته سيلحق بتجارة الملابس والأقمشة. فقرار الحكومة إلغاء التخفيض الجمركي على الملابس والأحذية، ذو صلة مباشرة أيضاً باتفاق الحكومة مع "الصندوق". وكذلك مضاعفة رسوم نقل ملكية السيارات المستعملة إلى خمسة أضعاف، سينطوي على ضرر بالغ بتجار السيارات.
هذه القرارات وغيرها، تؤسس لمرحلة جديدة تحتاج إلى قدرات تكيف تغيب عن كثير من المواطنين، بسبب غرقهم في كيفية تدبير شؤون أوضاعهم المعيشية. وينتظر الجميع في مطلع العام المقبل، رفع أسعار المياه والكهرباء.
إذا كانت البنود التي يطلبها "الصندوق" تصل إلى أكثر من 36 بندا (سلعة وخدمة)، فإن المسرح الاقتصادي مهيأ، إذن، في السنوات الثلاث المقبلة من عمر العلاقة الجديدة مع "الصندوق" لمزيد من الصعوبات التي سيدفع ثمنها في آخر الحلقات المواطن الأردني.
بالمناسبة، ليس لدى الحكومة الكثير من الحلول. ولذلك كانت ذيبان على موعد، أواخر الأسبوع الماضي، مع توتر لا يخدم الحكومة ولا السكان هناك. وانحصرت القصة بتداعياتها المقلقة في سلطات معنية بهيبة الدولة، وشباب عاطلين عن العمل يبحثون عن حقهم في عيش كريم.
التقديرات غير الرسمية تشير إلى وجود ثلاثة آلاف شاب عاطل عن العمل في ذيبان، يشكلون أكثر من نصف عدد الشباب في المدينة. والإشكالية الرئيسة التي يرددها المحتجون اليوم، أن عمل أبناء المدينة في عمان لا يجدي نفعا؛ فهم يسكنون مدينتهم التي تبعد عن عمان مدة ساعة بالحافلة، وستستنزف أجور النقل حصة كبيرة من مستويات دخلهم المتواضعة أصلا.
لم ينجح أي مسؤول في الوصول إلى هؤلاء الشباب سابقا وحاليا. وحتى هذه الجزئية التي يطرحها أبناء ذيبان في شكواهم، وتتعلق ببعد مناطق سكناهم عن أي فرص عمل مفترضة في العاصمة، لم تناقش ولم تحظ باهتمام حكومات متعاقبة، وهي الحكومات ذاتها التي فشلت في زرع التنمية في الأطراف، بعد أن حولت عمان مركزا جاذبا لكل شيء، وهمشت القرى والمحافظات حتى أمست طاردة لأبنائها، فلا وجود فيها لأي مؤسسات اقتصادية قادرة على صناعة الفرق في حياة هؤلاء الشباب.
في القرارات الحكومية الجديدة، وفي وسائل المعالجة التقليدية لتداعيات الفقر والبطالة، ثمة أسئلة تفرضها صعوبات المرحلة الراهنة ومواصفاتها. ومن يتابع منصات التواصل الاجتماعي سيرصد من دون شك سيلا من النقد لانعدام المساواة وغياب الحقوق. وفي موازاة ذلك، لا يمكن لأي شاب فقير ومتعطل عن العمل ويحمل شهادة جامعية أن يفهم تنقل ابن المتنفذ من كرسي لآخر، ومن وظيفة براتب يفوق الألف دينار إلى أخرى بثلاثة آلاف شهريا، من دون أن يتساءل عن حقه في العيش بأبسط الشروط.