شركات لا جامعات

حتى في الدول الغارقة بالمال والثروات، لا يمكن رفع رسوم الدراسة في الجامعات لطلبة الدراسات العليا فيها بنسبة حدها الأدنى 100 % والأعلى يفوق 200 %. لكن هذا الأمر تم باستسهال مفرط في بلد شحيح الموارد، وأوضاع أبنائه الاقتصادية لم تغادر عنق الزجاجة. وطلبة الماجستير والدكتوراه في الجامعة الأردنية يشكلون نحو 11 % من مجموع الطلبة!اضافة اعلان
وليس هؤلاء وحدهم تحت عصي قرارات مجلس أمناء الجامعة؛ فطلبة البرنامج الموازي الذين يشكلون 27 % من طلبة الجامعة تفاجأوا بقرارات نسبها تتراوح صعودا بين 30 % و100 %. فماذا يفعل الأب الذي يدرس ابنه ضمن "الموازي"؟ إذ من كان يدفع لابنته 65 دينارا لساعة التخصص في الهندسة المدنية، أصبح لزاما عليه دفع 115 دينارا للساعة!
مؤذ بحق كل الأردنيين ما يحصل في أهم جامعاتهم. إذ ينحصر التعليم في أوساط أبناء الأغنياء، فيما الفقراء وأبناؤهم لهم الصدفة والارتجال والحظ العاثر وربما الخيبات. وهو ما سيتسبب في تشوهات اجتماعية واقتصادية تصيب واحدة من أهم ركائز العائلات الأردنية التي استثمرت لسنوات وعقود في تعليم أبنائها، وبذلت الغالي والنفيس من أجل هذا الهدف، وانعكس الأمر بنتائجه وآثاره الإيجابية على الاقتصاد في سياق قوى بشرية متعلمة ومؤهلة إلى حد مقبول في المنطقة العربية، وجاءت هذه القوى من شرائح فقيرة، أو ممن كانوا ينضوون في أسفل تدرجات الطبقة الوسطى في زمان مضى.
صحيح أن مديونية الجامعة الأردنية كانت 43 مليون دينار قبل أربع سنوات وهي صفر اليوم، إلا أن الاستثناءات المتعددة في القبول تشكل عبئا على الجامعة، إذ لا يرد إلى خزينة الجامعة أي أموال من مقاعد هذه الاستثناءات، وفي المقابل فإن مخططات مجلس الأمناء نقل هذه الأعباء إلى جيوب الطلبة وآبائهم الذين يدرسون في البرنامج الموازي أو أولئك المسجلين في برنامجي الماجستير والدكتوراه.
قرارات رفع الرسوم على هذه الشاكلة كارثة اقتصادية على الأسر التي تئن وترى في تدريس أحد أبنائها نهاية لنفق مظلم وملاذا لعائلة تبحث عن الأفضل. وعلى متخذي هذا القرارات التراجع عنها والإنصات للطلبة الذين افترشوا الأرض لأسبوعين داخل الجامعة، ولمن تظاهر على البوابات، وأن يلتفت مجلس الأمناء لمطالب مجلس النواب واحتجاجات الأردنيين على القرارات، حتى يتسنى للمواطنين أن يلتقطوا أنفاسهم بعد أن أرهقتهم موجات الغلاء والضرائب.