طاقة سلبية مفتوحة

لا يحتاج المرء إحصاءات الأمن العام ليعرف حجم الغضب والقلق المنتشر في شوارعنا. وهو الغضب الذي ينتهي بعضه الى شكل جريمة وإضرار بالغير وتداعيات وخيمة، أو ينتشر كطاقة سلبية تجعل الأمور والعلاقات أكثر تعقيدا وصعوبة.اضافة اعلان
جولة سريعة في السيارة قبيل الإفطار بساعة أو ساعتين، كفيلة بأن تظهر حجم النزق والرغبة في العراك والعنجهية أحيانا، وملامح سلبية أخرى تتسيد جزءا ليس قليلا من سكان البلاد. وأقول السكان وليس المواطنين لأن حالة الغضب المفتوحة تشمل الجميع ولا تخص فئة دون غيرها.
بالفعل، كان هذا الشهر غير مسبوق في منسوب العنف والجريمة، وبدا شهرا محزنا، فلم نكن نسمع في أشهر صيام خلت عن هدم وحرق بيوت، وابن يخنق والده أو والدته، وآخر ينتقم من محاميه فيقتله وزميله في مكتبهما!
ويؤكد التقرير الإحصائي الجنائي الصادر عن الأمن العام وقوع جريمة كل 21 دقيقة في الأردن، منها جنحة كل 31 دقيقة، بينما تقع جريمة جنائية كل ساعة وثماني دقائق.
قد يستفسر سائل ومراقب: لماذا كل هذا العنف والغضب وتعدد الجريمة وتنوعها؟ ورغم أن الأسباب التي تتموضع خلف هذا السؤال كثيرة ومتشابكة، إلا أن ملمح غياب الرضى وعدم الإحساس بقوة القانون وفاعليته يجعل الأمور أكثر سوءا. لكن يحتاج الموضوع دراسات جادة للوقوف على هذه التحولات المجتمعية الراهنة. وأعتقد أن أي دراسة شاملة لأسباب تفشي الغضب على هذا النحو ستقف طويلا أمام العامل الاقتصادي. وهو العامل الذي يؤثر سريعا في سلوك السكان ويجعلهم انعكاسا حقيقيا لواقعهم ومعيشتهم بكل ما فيهما من خيبات. وفي اتجاه تحليلي أوسع، نجد أن الخراب والقتل والتدمير وظلم اللجوء في المنطقة وصورة الدم والتفخيخ التي لا تغادر شاشات الأخبار، تدفع إلى تراكم الصورة السلبية في نفسية ومخيال الشباب اليوم، فيجعلهم يرتحلون باتجاه العنف الذي يسيطر على حياتهم وتلاحقهم أشباحه في كل ما يحيط بهم.
بالعودة الى العامل الاقتصادي، فإن تفشي عدم الرضى وانعدام الثقة أو العلاقة العمودية بين الحكومة والشعب كما تظهر استطلاعات الرأي المحلية، تجعل جو الاحتقان هذا بيئة خصبة للجريمة والانتقام والكراهية. فمن يرصد غياب العدالة في توزيع الثروة والمكتسبات والدخل، ومن يئن تحت هوان الفقر والجوع والبطالة، لن يكون حتما سببا في السلام والطمأنينة لمجتمعه.
في المؤشرات التي صدرت عن المنتدى الاقتصادي العالمي قبل ثلاثة أيام، غاب العرب جميعا عن قائمة الدول التي يشعر موظفوها بالسعادة. كما غابت الدول العربية ايضا عن مجموعة الدول التي لديها أعلى المعدلات النسبية للحد الأدنى من الأجور. وليصبح السؤال عن الهدوء والسلام والقانون والرضى ضربا من العجب!