مفارقات المريغة

يخال المرء أنه أمام منطقة تعيش حالة فنية مفتوحة بعد تمتع سكانها بحقوقهم كافة. فالمفارقة حاضرة عندما تضع اسم "المريغة-الأردن" على محرك البحث "غوغل"، حيث تطالعك أخبار وفيديوهات عديدة لا عن فقر المنطقة ووجع أهلها، بل عن الرقص والفلكلور الشعبي و"السامر" و"الدحية"! اضافة اعلان
فالأسر في قضاء المريغة - بالبادية الجنوبية في محافظة معان- جاءت على رأس قائمة الأسر غير الآمنة غذائيا، وفقا لمسح الأمن الغذائي في الأردن للعام 2013/ 2014، وبنسبة 13 % من سكان هذا القضاء الذين لا يتجاوز عددهم 16 ألف نسمة. وفي موازاة ذلك هناك 28 ألف أردني ضمن غير الآمنين غذائيا، ونحو 341 ألفا في أوضاع غذائية هشة أقرب إلى انعدام الأمن الغذائي.
تسعة تجمعات سكانية في هذا القضاء لم تحظ بأي واقع تنموي يسهم في تحسين الحالة الراهنة. فقد قرأت في العام 2004 دراسة لوزارة التخطيط عن فقر المريغة والمناطق التابعة لها. وانطوت الدراسة الحكومية على تشخيص دقيق لمعاناة المواطنين هناك. لكن شيئا لم يتغير بعد مضي عقد على تلك الدراسة، بل على العكس.
إذ في منتصف العقد الماضي، كان هناك أكثر من 1200 من شباب وشابات هذا القضاء ضمن شريحة الباحثين عن عمل. وقد زاد العدد اليوم؛ إذ لا استثمار ولا تمويل، ولا توجد أيضا أي جهة تقدم برامج تدريب مهني للعاطلين عن العمل في هذه المنطقة. فيما لا تسمن النقود التي توزع من صندوق المعونة الوطنية، ولا تغير في المشهد شيئا.
على امتداد جبال الشراه ووسط أجواء شديدة البرودة في الشتاء، فإن جميع مدارس المريغة والمناطق التابعة لها -وعددها 20- تخلو من التدفئة المناسبة والمكتبات والمختبرات العلمية والملاعب. وليس في هذه المدارس قاعات للحاسوب. وإن وجدت فإنها تخلو من الأجهزة، كما في مدارس الثغرة وأبو اللسن والقاسمية وراس النقب، في حين تتجاوز نسبة الأمية في المريغة 20 %، فتفوق كثيرا المعدل العام للأمية في البلاد.
سمات حظ المريغة العاثر عديدة. إذ يشكو سكانها أيضا عدم صلاحية المياه التي تصل لبيوتهم مرتين أسبوعيا، بسبب الصدأ وقدم الشبكة. هذا فيما تغزل شعراء وأبناء المنطقة في زمن مضى بتدفق المياه وعذوبتها من عين ماء المريغة. وتذهب الذاكرة الشعبية إلى أنها سميت بهذا الاسم نظرا إلى أن الإبل والأغنام كانت "تمرغ" نفسها بالقرب من عين الماء بعد أن ترتوي.
لقد أجريت دراسات لفهم الواقع أملا في تغييره، لكن هذا الواقع يتورم ويزداد تعقيدا، بما يشير إلى أنه لا علاقة للخطط والدراسات بما يحدث على الأرض. ومن المحزن أن تفشل الحكومات في إحداث فرق بمنطقة قليلة السكان كالمريغة. وفي تقديري أن هذا الفشل يمكن أن يعمم بشأن الفروقات التنموية والخدمية بين المركز والمدن الكبرى من جهة، وبين الأطراف والتجمعات الصغيرة من جهة ثانية.
حملت الشاكرية في وادي رم اسم الأردن عاليا على امتداد الأشهر الماضية، بسبب ابنها جاسر الصويلحيين الذي كان بطلا في فيلم "ذيب"، وهو ابن منطقة ذات حظ شحيح من التنمية. وهناك "جواسر" كثر في المريغة وغيرها من المناطق المحرومة والمهمشة، المأمول أن نوفر لهم حقوقهم الأساسية، حتى يتسنى لهم الانطلاق إلى حياة أكثر رحابة.