بدو وفلاحون في "المول"!

 

مع ظهور الثقافة الاجتماعية الجديدة، ومفرداتها العديدة، وتغير أساليب العيش، وبعد أن صار بإمكان تاجر الخشب أن ينجز صفقته على "الانترنت" وهو يتمطّى في الفراش، ولأن وقت الناس صار ضيقاً؛ ولم يعد بالإمكان ارتياد عدة أسواق وشوارع لشراء حاجيات البيت، ظهرت فكرة السوق المجمع المتعدد الأغراض:"المول"!

اضافة اعلان

وفي ذلك منافع كثيرة للتاجر وللمتسوق معاً؛ فالمجمع التجاري الذي يضم عشرات المحلات المتلاصقة يتكئ أصحابه ضمنياً على فكرة تسويق بعضهم، واستدراج الزبائن، فالذي جاء لشراء سلسلة مفاتيح يخرج بعربة مكدسة بالعصائر و"سيديات الأفلام" ومستحضرات العناية بالبشرة والأحذية وبقميص شتوي على مقاسه تماماً!

تجاور المعارض يغري الناس بالشراء، ويذكرهم باحتياجاتهم، ويخترع لهم احتياجات جديدة، كما أن فكرة المجمع المغلق توفر للناس التنقل بين "الفترينات" وواجهات العرض من دون مضايقات الشمس الحارقة أو بلل الشتاء الغزير، كما أنهم يتنقلون بين المحلات من دون خوف أن تداهمهم سيارة مسرعة، ودفع "العربة" بسلاسة ويسر يريح أيديهم من ثقل المشتريات ومعاناة الحمل!

مع أن "العربة" تجعل الناس يشترون من دون الانتباه لحجم ما "حملوه"، ولا ينتبهون لذلك إلا عند تفريغها في صندوق السيارة تماماً، كما تغريهم "البطاقة البنكية" فيشترون بلا حساب!

وعلى أطراف ظاهرة "المولات" نشأ مستفيدون جدد مثل البنوك التي تضع صناديق صرافتها السحرية، والمطاعم التي يستريح فيها المتسوقون ويأخذون قهوتهم، وهم يراقبون بعضهم بفضول!

إضافة إلى سائقي سيارات التاكسي الذين يتكومون على أبواب المجمعات، والشحاذين الذين يعتبرونها مناطق استثمارية ناجحة جداً، والمصورين الجوّالين الذين يلتقطون صوراً للذكرى، والصبايا اللواتي يتجولن بطول بال بحثاً عن عريس متوقع!

ومع انتشار هذه الأسواق الضخمة انتشرت بين روادها عادات جديدة؛ مثل الأرجيلة التي صارت موضة الصبايا والشباب في "الكوفي شوبات" وعلامة "فياعة"، و"الانترنت كافيه" الذي صار عالماً سحرياً، و"البلوتوث"...الخ!

وصارت هذه "المولات" الساحة المفضلة لاستعراض الطبقات، والوضع الاجتماعي، فالسيدات يظهرن تفوقهن بعدد الخادمات الآسيويات اللائي يركضن خلفهن، يحملن المعطف، أو الطفل الرضيع، أو جهاز الموبايل!

وبالسائق الذي ينتظر ليجرّ العربة ويفتح الباب، وينقذ محدثة النعمة من جهلها بـ"السواقة"!

والشباب يتباهون بعدد الصبايا اللواتي معهم على الطاولة... ونوع الخلوي، والسيارة التي لا تقف إلا على طرف باب "المول"!

لا شك أن العالم يتغير... ولن نقف مدافعين عن فكرة "الدكان" الذي كانت تتسرب فيه رائحة "الكاز" لطعم "القضامة"، ويعلق أباريق الوضوء ومكانس القش فوق رؤوس الزبائن، ولكننا نتساءل إن كنّا استوردنا مع فكرة "المولات" شيئاً آخر؟!

الطريف في الأمر أن المجتمعات الحديثة التي استوردنا منها فكرة "المول" استحدثته للتسهيل على الناس بدل مضيعة الوقت من شارع لشارع بحثاً عن أغراض مختلفة؛ فهنا تجد أقساماً مفصّلة وأرففا متخصصة، وتتخلص من زحمة الأسواق وتدافع البشر وتحرشات المراهقين والمتطفلين.

والمولات هناك تجعلك تشعر وكأنك في مكتبة عامة... ينصت فيها الجميع لصوت الهدوء!

أما عندنا فقد استطعنا وبجدارة لافتة للانتباه أن ننقل الشارع بكل ضجيجه ومشاكله وانفلاته إلى داخل "المول"!

[email protected]