الربيع القادم من الصـين

المهندسة ناديا نايف المومني
المهندسة ناديا نايف المومني

*المهندسة ناديا نايف المومني

أكثر من ثلاث أشهر مرت ونحن نعيش تحت وطأة "فيروس كورونا"، جلس نصف سكان العالم في منازلهم، أغلقت مدن وأضر بالاقتصاد وما زال الجدل يتصاعد حول كيف سيكون العالم بعد كورونا؟ تنبأت دراسة حديثة بملامح هذا العالم بوصف "أزمة كورونا" لحظة فارقة في التاريخ، الدراسة خلصت الى رسم صورة لهذا العالم مبنية على اعادة هندسة النظام الدولي بصعود الدول التي ستتمكن من استيعاب هذه الأزمة وتراجع للدول التي ستتكبد خسائر مادية وبشرية ومن هنا أبدا.

اضافة اعلان

كلنا نعلم أن من أكثر ما تميز به الأردن خلال سنوات مضت هو نعمة "الأمن والأمان" التي افتقدها الكثيرون في كثير من دول العالم، وهي من الأولويات التي طالما افتخرنا بها كشعب، فقد احتل الأردن في العام 2019 المرتبة 60 عالمياً بين الدول الأكثر أماناً بحسب ما نشرت مؤسسة "نامبيو" عن مؤشر الأمان في أكثر من 100 دولة في العالم. أما اليوم وقد تصدر الأردن عناوين الصحف العالمية والعربية التي أشادت بالتجربة الأردنية المثمرة في ادارة الأزمة معتمداً على امكانياته المحدودة وكفاءاته الوطنية، لتصبح بذلك نموذجاً مشرقاً يحتذى ومثالاً ايجابياً في تصديه للمدعو كورونا، وما تبع ذلك من تفاعلات ضخمة عبر وسائل التواصل الإجتماعي من إعجاب وتقدير لهذه الحالة الفريدة من التميّز سيسهم حتماً في تعزيز الثقة على مستوى المؤسسات الرسمية وغير الحكومية والإعلام، مما قد ينعكس ايجاباً على مختلف القطاعات.

يرصد "مؤشر ايدلمان للثقة" بصفة سنوية مستويات ثقة الشعوب في الحكومات المركزية والمحلية، الإعلام، الشركات التجارية، المنظمات غير الحكومية وغيرها من العوامل المؤثرة في سير الحياة اليومية للشعوب، ولم تحقق سوى سبع دول نتائج إيجابية هذا العام في نسبة ثقة الشعوب بحكوماتها بينما تدنت نسب ثقة الشعوب في الحكومات في كافة الدول الأخرى، ويبنى على ذلك ضرورة تعزيز القدرة التنافسية للأردن من خلال شراكات حقيقية بين القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني في سبيل تحسين مكانة الأردن على مؤشر ايدلمان للثقة وغيره من مؤشرات القياس الدولية.

وهنا نتساءل، هل نستطيع تحويل فيروس كورونا الى مؤشرات قياس أداء سياسي، اجتماعي، اقتصادي، وطني وانساني ومن ثم البناء على النتائج بما يخدم المرحلة المقبلة؟ كلكم تعلمون حجم الخسائر التي تكبدها الكثيرون بسبب كوورنا مما يتطلب منا أن نخرج قليلاً عن حدود التفكير التقليدي فهل يعقل للفيروسات أن تسبقنا في التطور! لتحقيق المزيد من النجاحات لا بد من تصويب بعض المسارات، وتطوير خطط جديدة أكثر واقعية ذات فاعلية قادرة على الصمود أمام تبعات الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها هذا الفيروس تقوم على تحسين البيئة الاستثمارية ومستوى الخدمات الحكومية والتحول نحو اقتصاد المعرفة بتطبيقات ذكية ضماناً لتحسين جودة الأداء بما يساعد على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المناسبة وتوسع الاستثمار المحلي وتقديمه على الاستثمار الأجنبي وفتح فرص عمل جديدة لمن تضرر جراء هذه الأزمة بما ينسجم مع أهداف رؤية الأردن 2025.

كورونا هذا الضيف الثقيل يوجب علينا أن نتكاتف في سبيل تحويل التحديات الى فرص تكمن في استغلال كل ما نملك من موارد وطنية وبشرية، وأن نسعى الى نجعل من الأردن منصة تنافسية لتصدير الخدمات المختلفة سواء التكنولوجية، الصحية، الصناعية، التعليمية والزراعية وجعله مركزاً للشركات العاملة في هذه المجالات، بحيث تتمكن هذه الشركات من الاستثمار في الأردن بتكلفة منخفضة وربحية عالية.

وكما سابقت الاستجابة الصحية للأزمة مثيلاتها حتى في اكثر دول العالم قوة وقدرة لا بد أن تكون الاستجابة الاقتصادية استثنائية ايضاً مما يضع على عاتق كافة الجهات الحكومية بالتشارك مع القطاع الخاص متابعة تنفيذ القرارات وتطبيقها بالسرعة الممكنة لتمكين القطاعات الاقتصادية في مواجهة التحدي قبل فوات الآوان، كل ذلك سيجعل من الأردن بالاضافة الى نعمة "الأمن والأمان" بيئة جالبة ورائعة للاستثمار مبنية على قاعدة تسويقية قوية، نحن الآن بلا أدنى شك أمام فرصة ذهبية للتطوير ويجب استغلالها، فرصة قد تكون ضبابية غير واضحة المعالم إلا أن الظروف المحيطة بها تحتم علينا أن نكون على أهبة الاستعداد واستغلالها في تحسين تلك الثغرات التي كشفها ذلك القادم من الصين فعلها فرصة لكي نولد، ونقوى من جديد.

*رئيس وحدة تطوير الأعمال في مؤسسة استثمار الموارد الوطنية وتنميتها