بسمة النمري: القصة ضوء صغير يغيب سريعا ولا يسرد واقعا معاشا

القاصة بسمة النمري-(من المصدر)
القاصة بسمة النمري-(من المصدر)

سليم النجار

عمان- ترى القاصة بسمة النمري أنّ القصة لديها "عالم مكتمل قائم بذاته، له مكانه وزمانه، وقوانينه الخاصة به التي تحكمه من دون أن يخضع لقوانيننا، نحن الذين هنا على الأرصفة".اضافة اعلان
وتقرّ النمري أنّ شخصياتها في الأصل "أرواح ارتدت ثوب الجسد لتستطيع من خلاله تنفيذ إرادتها، وتفعيل أفكارها"، مضيفةً أنّ الأفكار "لغتها التي تتصل من خلالها بالشخصيات الأخرى في القصة، وتتواصل مع روح الأشياء وروح الموجودات التي تؤثت عالم القصة".
وتبيّن بذلك أنّ "أسلوب التداعي الحر أو المونولوج الداخلي، هو الأقرب لصياغة حوار الأرواح وترجمة الأفكار إلى كلمات".
وتميّزت تجربة النمري القصصية بـ"الخصوصية" منذ بداياتها الكتابيّة الأولى في مجموعة "منعطفات خطرة" العام 2002، وليس انتهاء بمجموعة "ما لا يرى" العام 2010.
تقول النمري إنّ "القصة في الأساس فكرة، وأساس الفكرة مستمدة من روح تحاول أن تشرح ذاتها وتحكي حالها"، رائية أنّ على لغة القصة أن تكون "مرنةً، بسيطةً، فياضةً، سلسةً، متدفقةً"، مضيفةً أنّ "على الكلمات أنْ تلهث مسرعةً كي تدرك الحالة الروحية التي تعرض لها القصة، تلتقطها وتترجمها بدقة وأمانة، لنستطيع عبرها ولوج عالم القصة الذي يختلف كثيراً عن واقعنا المعاش هنا".
وتتابع "لا يكفي أنْ تدرك الفكرة عبر اللغة النص، بل عليها أن ترحل بنا إلى فضاء النص الذي هو أكثر رحابة من النص ذاته، الذي تكمن روح القصة فيه"، معتقدةً أنه بذلك ينبغي أنْ يخلو الأسلوب من التعقيد، وتكون بسيطة كي لا تكون عبئاً، وتقف حاجزاً أمام المتلقي الذي عليه أن يعرف جل جهده وتفكيره، كي يركز على الفكرة والمعنى الكامن خلف القصة.
وتبين أنّ أغلب مواضيع قصصها "تتناول اللحظة، تغوص فيها تحللها، تحكي الأبطال في لحظتهم تلك، أفكارهم، هواجسهم، مخاوفهم، آلامهم، آمالهم، أحزان أرواحهم، واضطرابها في عوالمهم الغريبة التي يهيمون بها".
وتكشف النمري في هذا السياق، وبانتهاء اللحظة تنتهي القصة، وما بعد ذلك يُترك للقارئ كي يختمها بنهاية تتفق ورؤيته الخاصة به. وتقول "القصة هنا لا تسرد واقعاً معاشاً تقودنا أحداثه إلى نهاية نتلهف إلى معرفتها، بل هي تسلط بقعة ضوء صغيرة تومض لوهلة، فتنير لنا حياتنا من حياة الشخصية في القصة، ثم تغيب، ليسرد بعدها ظلام يخفى خلف ستره احتمالات عدة للنهاية".
وتتوقف النمري بشيء من التفصيل عند تجربتها في القصة القصيرة جدا التي بدأت مع مجموعة "حجرة مظلمة"، في العام 2004، مشتملة في جزئها الثاني على 64 قصة قصيرة جداً، جاءت تحت عنوان فرعي "أقاصيص من هناك".
 وتقول "جذبني عالم القصة القصيرة جداً إليه، فأعدت التجربة في مجموعة (سفر الرؤى) العام 2008، تلتها مجموعة (كذلك على الأرض) العام 2009، التي كانت جزءاً ثانياً لها".
وتستدرك "على الرغم من ذلك لم أشعر بالارتواء، ظل هناك قلق كامن في أعماقي، وإحساس بعدم الاكتفاء، وبقي عالمي يضج بصور، وبأبطال، وبحكايات تلح علي أن أكررها لتنطلق من خلال القصة فتحيا، وتكون". وتضيف النمري "لم أستطع مقاومتها طويلاً، فرضخت، واستسلمت إليهم، وعدت إلى قلمي، وأوراقي، هم يملون عليّ وأنا أطيع، وأكتب، فكانت مجموعة (وما لا يرى)".
بعد "وما لا يرى"، تبين النمري أنّ هناك مشروع كتابة، يقلقها ويلحّ عليها وتعيش معه حالة دائمة، من عدم الاستقرار وعدم الإحساس بالهدوء والسكينة الداخلية التي تحتاجها بشدة، وفق قولها.
وتقول "الشخصيات تلحّ عليّ، أبطالي يضجون، الأحداث تتشكل في مخيلتي محمّلَةً بالأفكار كغيمة داكنة ملبدّة تنذر بهطول قريب، إلا أن أسبابها مهددة تنضب أمام وجهي تحذرني من خوض التجربة القادمة، تمر من أمامي الحواجز المعيقة التي عليّ أن أجتازها لأكتب كل ما أريد، تماماً كما أريد، وأكون أنا، وتعلو صرختي التي تعلن الغصة التي تسد مجرى أنفاسي، ليس لأنني لا أريد، لكني لا أستطيع وكما قلت في السابق، أعطني حرية، أعطِك أدباً".
وعن تجربتها الفنية، وانحيازها لرسم الوجوه، تقول بسمة النمري "على قمة الخلق يتربع الإنسان، الإنسان وجه، انظر إلى العينين، ترى الروح، انظر إلى ملامح الوجه، التعابير، التي تعلوه، ترى الأفكار التي تجول داخل رأسه".
وتضيف "حين تحضر مادة اللوحة، السطح المنتظر، الألوان، الأدوات، الأصابع، وما وراء الأصابع، يتهيأ جسد اللوحة كي ينهض، وحين الروح تتجلى لتحلّ بالجسد، يكون الوجه، وليس غير الوجه، فما من سبيل أمامي لأفرّ من وجوهي، وعوالم وجوهي، ومن نسائي الرائعات المنتظرات تجدهن على سطوح لوحاتي".

[email protected]