الجماعات المسلحة في إدلب تحولت إلى "انكشارية" للجيش التركي

عربات عسكرية تركية في شمال سورية - (أرشيفية)
عربات عسكرية تركية في شمال سورية - (أرشيفية)
برهان أكينجي – (أحوال تركية) 9/2/2020 تتغير التوازنات في منطقة الشرق الأوسط بشكل أسرع مما كنا نتوقع. وسورية هي واحدة من أكثر البلدان التي شهدت تطورات ساخنة خلال السنوات الأخيرة؛ لم تهدأ الصراعات في هذه البقعة من العالم، ولم تضع الحرب الأهلية هناك أوزارها طوال السنوات التسع الماضية. وفي الآونة الأخيرة، توجهت أنظار جميع دول العالم، وليس دول المنطقة فحسب، إلى إدلب مرة أخرى، التي توصف بأنها آخر القلاع التي يتحصن بها المسلحون المتطرفون، الذين ينتمون إلى جماعات جهادية لها أسماء مختلفة. سارعت روسيا إلى نجدة الرئيس السوري بشار الأسد، بعد أن كاد يفقد السلطة مع اندلاع الحرب الأهلية في بلده في العام 2011، ونجحت بالفعل في تغيير التوازنات على الأراضي السورية. ومع التدخل الروسي في سورية، نجح الأسد في تطهير المناطق التي فقد السيطرة عليها من الجماعات الجهادية المدعومة من تركيا وقطر، الواحدة تلو الأخرى. وكانت إدلب هي المعقل الأخير لهذه الجماعات. خلال تلك الفترة، سمح نظام الأسد المدعوم من روسيا للمسلحين بمغادرة مناطق الغوطة الشرقية وحلب، بالإضافة إلى عدد من المناطق الأخرى التي تركها هؤلاء المسلحون، وتوجهوا جميعا صوب إدلب. تحدثنا في هذا الموضوع مع المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، الذي أكد بدوره أن الروس هم الذين تبنوا خطة توطين الجهاديين في إدلب منذ البداية. ويرى مسلم أن روسيا أرادت من وراء تنفيذ هذه الخطة أن تحصر المسلحين وعناصر الجماعات الجهادية الموجودة على الأراضي السورية في منطقة واحدة. ولا يخفى على أحد الدور الذي تقوم به تركيا في دعم هذه الجماعات؛ ولا نبالغ إذا قلنا إن تركيا هي المتنفس الوحيد لهذه الجماعات؛ فعن طريقها حصلت هذه الجماعات على كافة أنواع الدعم اللوجستي، بما في ذلك إمدادها بالأسلحة الثقيلة. ويعلَّق صالح مسلم على هذه النقطة تحديدا بقوله: "لم يعد يخفى على أحد أن الأسلحة التي تدفقت على هذه المنطقة كان مصدرها تركيا. ويؤكد هذا على العلاقة الوثيقة التي تربط تركيا بتلك الجماعات المسلحة"، ويضيف مسلم كذلك أن هذه الجماعات تستغل الدولة التركية بكاملها، مشدداً على أن هذه الجماعات صارت تمثل طليعة القوات التركية في الوقت الحالي، بما يذكرنا بوحدات الطليعة من "الانكشارية" التي تم توطينها في أماكن مختلفة في عهد الدولة العثمانية. ولعل ما حدث في عِفرين ورأس العين وتل أبيض، وأخيراً في ليبيا، خير دليل على ذلك. كان الموضوع الآخر الذي أكد عليه المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي في حديثنا معه هو أن الولايات المتحدة والدول الغربية لا ترغب في أن يسيطر نظام الأسد على إدلب. ووفقاً له، فإن السبب الذي يجعل الولايات المتحدة والدول الغربية تدعم الدولة التركية فيما يخص التطورات الراهنة في إدلب هو رغبتهم في أن لا يدخل النظام السوري هذه المنطقة، أو أن يسيطر عليها. عقدت تركيا وإيران وروسيا عدداً لا يُحصى من القمم، وخاضت عددًا ضخماً آخر من المفاوضات لمناقشة موضوع إدلب. وجرى خلالها التوقيع على الكثير من التفاهمات بهذا الشأن؛ فعقدت مفاوضات في أستانا وسوتشي تحت رعاية الدول الثلاث، وتوافقت على إنشاء منطقة آمنة في إدلب، وقامت القوات المسلحة التركية بوضع 12 نقطة مراقبة في المنطقة. وكان من أهم النقاط التي توصلت فيها تركيا إلى توافق مع روسيا بخصوص إدلب، هي إعادة فتح الطريق البري السريع الذي يربط بين حلب واللاذقية (M4)، والطريق السريع الذي يصل حلب بدمشق (M5)، وفصل الجماعات الجهادية المتطرفة عن الجماعات الأخرى المعتدلة. ووفقاً لهذا الاتفاق، كان يجب على تركيا أن تقوم ببعض المهام، ولكنها لم تنفذ ما كان متوقعاً منها. ومن جهته، وفي رد فعل غير متوقع، شن الجيش السوري في الأيام الأخيرة، مدعوماً من روسيا، هجمات من الجو والبر ضد الجماعات المدعومة من تركيا، وقام بتسريع نطاق هذه العمليات بشكل خطير للغاية، وصل إلى حد وقوف الجيشين، التركي والسوري، في مواجهة مباشرة ضد بعضهما البعض في مدينة سراقب الاستراتيجية التي تقع على بعد 20 كم فقط من قلب مدينة إدلب. ووفقاً للبيانات الرسمية التي صدرت في هذا الصدد حتى تاريخ هذا التقرير، فقد أسفر القصف بالمدفعية من جانب قوات النظام السوري عن مقتل ستة جنود أتراك. وفي أعقاب هذا الهجوم، خرج الرئيس التركي أردوغان؛ ليُذكِّر الروس بما اتفقوا عليه في هذه المفاوضات، فقال: "كانت هناك بعض المفاوضات والاتفاقيات، التي أجريناها مع روسيا في سوتشي وأستانا. إذا التزمت روسيا باتفاقيتي سوتشي وأستانة، فإن تركيا ستواصل الالتزام بهما، لكن روسيا لم تلتزم حتى الآن بالاتفاقيتين". وأضاف: "للأسف، لم نلمس حتى الآن من روسيا التزاماً بما جاء في محادثات سوتشي وأستانا. لم يعد هناك وجود في الوقت الحالي لشيء اسمه ‘مسار أستانا’". وفي ذلك يقول صالح مسلم إنهم، في حزب الاتحاد الديمقراطي، كانوا يتوقعون فشل قمتي أستانا وسوتشي في يوم من الأيام. وها هو اليوم قد جاء الآن، ويشدد على أن المشكلة لا تنتهي باستخدام السلاح، أو بشن العمليات العسكرية، مؤكدًا على وقوفهم إلى جانب أي سبيل لحل هذه الأزمة في المنطقة. ولكن ما هو السبيل إلى التوصل لحل لهذه المشكلة؟ يرى مسلم أنه ينبغي استبعاد الجماعات المتطرفة تماماً من أية تسوية، أي طردها خارج المنطقة، وأن يبحث الجميع عن الحل عبر التفاوض مع الجماعات المعتدلة فقط. وهذا يقتضي وضع دستور جديد للبلاد؛ لأنه، وفقاً لمسلم، لا سبيل إلى التوصل لحل كل هذه المشكلات إلا بوضع دستور جديد. ويقول مسلم إن الدولة التركية قد دخلت مساراً خطيراً للغاية بتدخلها في المنطقة، مشيراً إلى أن روسيا لا تفكر إلا في مصالحها الخاصة، ويشدد على أن الحل يكمن في إطار تكوين علاقات حسن الجوار الطيبة بين الدولة التركية وسورية. ولكن، كيف لأمر كهذا أن يحدث؟ يؤكد مسلم أن الشرط الأساسي لتحقيق هذه الغاية هو قيام تركيا بسحب قواتها من المناطق التي احتلتها في سورية؛ حيث تتمركز القوات التركية، بالإضافة إلى منطقة إدلب، في عفرين بأكملها، وفي منطقتي رأس العين، وفي تل أبيض وأعزاز والباب. عندما كثف الجيش السوري من هجماته وتقدم باتجاه إدلب، فتح ما يعرف باسم الجيش الوطني السوري، الذي يتألف من حوالي 120 ألف مقاتل ينتمون إلى جماعات جهادية مختلفة، والتي تقوم تركيا بتدريبها وإمدادها بالأسلحة والمعدات، جبهة جديدة ضد النظام في حلب. ومن المعروف أن قوات الجيش الوطني السوري شاركت القوات التركية في عمليتها العسكرية "الاستعمارية" شرق الفرات، وتتركز هذه القوات الآن في رأس العين وتل أبيض. وتنشب مناوشات بين الحين والآخر بين هذه الجماعات المسلحة وقوات سورية الديمقراطية. وفي رده على سؤالي عما يمكن أن تصير إليه الأمور إذا شنت الجماعات المسلحة التابعة للجيش الوطني السوري هجمات ضد قوات النظام السوري، وعما إذا كانت دمشق أو روسيا ستطلب مساعدة قوات سورية الديمقراطية أم لا، قال مسلم إن هذه أمور عسكرية بحتة، ولا يمكنه تقديم إجابة دقيقة بخصوصها. وعندما سألته عما إذا كان الأكراد قد بدأوا بالفعل الحوار مع دمشق، قال مسلم إن روسيا تقوم بدور في هذا المسار، ولكن لم تحدث إلى الآن تطورات مهمة في هذا الإطار، وأضاف قائلاً: "إننا ننتظر.. من المحتمل أن تحدث تطورات في هذا الإطار". ولم يغب عني هذه المرة أيضاً أن أسال مسلم عن العلاقات مع تركيا. وهو نفس السؤال الذي ظللتُ أكرره عليه في لقاءاتي السابقة معه. سألته هذه المرة عما إذا كانت هناك محادثات مباشرة أو غير مباشرة تجري في الوقت الحالي مع الحكومة التركية. وذكَّرني بمباحثات المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، مع تركيا، وقال: "أعضاء فريق جيفري موجودون هنا. وهم يتحدثون في هذا الأمر بين الحين والآخر. ومع هذا لا يمكن أن نُسمي هذا الأمر وساطة، فعلى حد علمي لم تحدث لقاءات إلى الآن". تحدثنا أيضًا مع الناطق باسم حزب الاتحاد الديمقراطي عن مسألة افتتاح مكتب للمجلس الوطني الكردي السوري في "روجافا" وعن علاقاتهم بهذا الأمر، فجاء رد مسلم بأنهم لم يوجهوا الدعوة لأي من أعضاء الحزب لحضور مراسم الافتتاح، وشدد في الوقت نفسه على أن الحزب موجود على الساحة السياسية في نفس المدينة التي يوجد فيها مكتب المجلس الوطني الكردي السوري، وأردف قائلًا: "لذلك، قد تحدث اجتماعات ومفاوضات في الأيام المقبلة". *برهان أكينجي، كاتب وصحفي تركي.اضافة اعلان