قرار "العدل الدولية" من الناحية القانونية والتطبيقية

في الرابع والعشرين من شهر أيار للعام 2024 صدر قرار آخر لمحكمة العدل الدولية يتعلق بالعدوان على قطاع غزة يتضمن أمرا صادرا للكيان المحتل بوقف العمليات العسكرية في مدينة رفح فورا ووقف أي أعمال أخرى قد تفرض على السكان الفلسطينيين في غزة ظروفا معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم كليا أو جزئيا كمجموعة،  وإبقاء معبر رفح مفتوحا لإيصال المساعدات بدون قيود، وضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية، على أن تقدم سلطة الاحتلال تقريرا بالإجراءات المتخذة في غضون شهر. ويأتي هذا القرار على خلفية التماس قدمته دولة جنوب إفريقيا لتوجيه أمر لإسرائيل بوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

اضافة اعلان


في إطار التأصيل القانوني والواقعي لهذه القرارات واسنادها أشار رئيس محكمة العدل الدولية إلى جملة من المعطيات منها أن آخر المستشفيات العاملة في مدينة رفح توقف عن العمل بعد بدء الهجوم البري الإسرائيلي، وأن المساعدات الإنسانية التي كانت تدخل من رفح مهددة بالتوقف، وأن المحكمة غير مقتنعة بأن جهود إسرائيل في إخلاء المدنيين من رفح كافية وأنها لم تقدم ما يكفي من معلومات حول أمن وسلامة النازحين في رفح، وأن الإجراءات والتدابير المؤقتة التي اقرتها المحكمة في شهر آذار من العام 2024 لا تستجيب للتطورات الأخيرة.من الناحية القانونية الدولية القرار على درجة كبيرة من الأهمية فهو يعد خروجا عن الصمت الدولي الذي دام سنين طويلة بحق الشعب الفلسطيني، وتكمن أهميته المحورية في اعتبار مضامينه اتهاما للكيان الصهيوني بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويعد تعبيرا عن الاستياء الدولي على المستوى الرسمي والشعبي من الانتهاكات الجسيمة التي يقوم بها الاحتلال، ويشكل في الوقت ذاته استمرارا لكسر حلقة الرواية الإسرائيلية الإعلامية التي كانت تسيطر على العالم أجمع، وانعطافا مهما في لغة غالبية الدول في التعاطي مع دولة الاحتلال التي كانت دوما لغة تغلب المصالح الإسرائيلية على أي اعتبارات أخرى.


من الناحية التطبيقية، باعتقادي لن نشهد اختلافا في الأعمال والتطبيق لهذا القرار في ظل العدوان المستمر من  دولة الاحتلال التي رسمت نهجا قائما على مضامين فكرة الإبادة الجماعية بصورة متدرجة ومتتالية لأهلنا في قطاع غزة بما يؤدي إلى قتلهم بصورة متعمدة، وصولا إلى الاستمرار في وضعهم في ظروف تؤدي بهم إلى الهلاك الجزئي أو الكلي وفق ما أشارت له اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.


هذا التوغل من الكيان المحتل على الأرض والإنسان وعلى القانون وعلى الإنسانية لن يتوقف إلا إذا تم إعمال مسؤولية الدول قاطبة في منع هذا الكيان من الاستمرار بأعماله، وهي مسؤولية أقرها القانون الدولي الإنساني واقرتها مسبقا محكمة العدل الدولية بأن الدول جميعها يجب أن تتخذ الإجراءات الكفيلة لدفع دولة ما على الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية.

 

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا