السلفيون وفلسطين في عصر الإخوان

كان كثير من تشكيلات التيارات السلفية قادرا على الوصول إلى تفاهمات مع النظام المصري في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، حدّ اعتزال السياسة، بل إنّ جماعات السلفية الجهادية العنيفة كانت قد بدأت تتفاهم مع النظام، في سياق ما سُمي بالمراجعات. وقد سيطرت في السنوات الأخيرة على مساجد وقنوات تلفزيونية، وأفرزت نجوما يهاجمون إسلاميين آخرين، وسياسيين إصلاحيين أمثال أحمد زويل ومحمد البرادعي.اضافة اعلان
وقف السلفيون ضد الثورة المصرية في بداياتها، ثم غيروا وجهتهم. يقول عمار علي حسن، الكاتب والناشط السياسي المصري، أنّه تحدث إلى السلفيين بخصوص تنسيق انتخابات الرئاسة المصرية، وتركهم السياسة، فقالوا له: "لا نريد أن نترك الساحة للإخوان فقط، لأنهم إن تمكنوا فسيأخذون منابرنا".
بالنظر إلى العملية المسلّحة الأخيرة على الحدود المصرية، يوم الجمعة الماضي، يلاحظ أنّ التحليلات والبيانات الرسمية الإسرائيلية لم تسارع إلى اتهام جهاديي غزة كما حدث عقب عمليات سابقة، واتجه الحديث إلى "إرهابيين من سيناء".
في غزة نفسها نشط السلفيون عقب حكم "الإخوان" (حماس) كما لم ينشطوا يوماً؛ يريدون إعلان إمارة إسلامية حينا، و"النهي عن المنكر" بالتفجيرات والعنف تارة، ومهاجمة إسرائيل تارة أخرى.
كيف يمكن تفسير هذا الموقف السلفي؟!
في واقع الأمر أنه لا يمكن اعتبار الإخوان أنفسهم غير سلفيين. وقد كان تاريخ الإخوان أقرب إلى تأييد الإسلاميين بغض النظر عن توجهاتهم، ربما باستثناءات محدودة مثل "حزب التحرير". ومن غير المتخيل أن لا يؤيد الإخوان و"حماس" هذه التشكيلات المسلّحة، لو كانت عملياتها في زمن مختلف، أو لو لم يكونوا في الحكم، وسيجري التركيز على أنّ العمليات تستهدف إسرائيل. أمّا الآن، فإنّ "الإخوان" هم الحاكم في مصر وغزة، ولا يجوز تحدي وحدانية السلاح. في الماضي، كان "الإخوان" يستثمرون ويحاولون لعب دور المظلة لأي جماعة إسلامية، من أفغانستان إلى الجزائر، ولكن هذا لا يمكن أن يستمر، لأسباب أهمها أنّ الإسلاميين الآخرين يرفضون فكرة المظلة أو الشقيق الأكبر، بذريعة رفض الخطاب المدني أو الديمقراطي للإخوان، رغم أنّهم كانوا يهادنون أنظمة قمعية في بعض الحالات، أبعد عن فكرهم من الإخوان. وحتى الآن، يأمل الإخوان احتواء هذه الجماعات والتفاهم معها.
يقوم إرث السلفية الجهادية على الخلاف مع الجميع؛ العلمانيين، والشيعة، والصوفية، والمسيحية، وكل من لا يدين لأمرائهم بالطاعة. بل إنّ خلافات السلفيين الداخلية كبيرة وصعبة، وآخر تجلياتها انتخابات حزب النور السلفي المصري، في الأيام الماضية، وما شهده من انشقاقات وحروب إعلامية. ولكنهم ظلوا طويلا بعيداً عن إسرائيل. كانت السلفية الجهادية بطبعتها الأفغانية، وما تلاها، سببا أساسيا في انحراف "البوصلة" عن فلسطين، وساندهم الإخوان حينها، إذ لم يروا تناقضاً في الذهاب إلى أفغانستان للقتال. وذهبت التفجيرات لاحقا إلى تنزانيا، ونيجيريا، ونيويورك، ولندن، ومدريد، وغيرها، وأقاموا  إمارة في العراق، وظلت فلسطين بعيدة.
 فجأة، وفي زمن الإسلاميين، اكتشف "الجهاديون" جغرافية سيناء. إذ يذكر أحد قادة هذه الجماعات، الذي التقاه الصحافي المصري القريب من السلفية، علي عبدالعال، أنّ "جغرافية سيناء أعقد جغرافيا في الشرق الأوسط، ربما لا ينافسها في ذلك سوى جغرافية أفغانستان". وهذا التذكير هو نوع من التهديد، رغم قول هذا القيادي: "لا نريد وزيرستان جديدة في سيناء"؛ فهو يوضح لنا أنّ أي تنظيم مهما صغر يمكنه الاختباء طويلا في سيناء.
هناك سببان لهذه "الصحوة" السلفية على حدود فسطين، في زمن الإسلاميين: أولهما أنّ السلفية الجهادية تواجه حصارا في مجتمعات مختلفة، بدءا من العراق، والآن الصدام مع "الجيش الحر" في سورية، وربما تحاول (السلفية الجهادية) التشبث بورقة "إسرائيل" حيث يصبح صعبا لومها على حمل السلاح "ضد اليهود". والسبب الثاني أنّ المنافس من داخل المعسكر الواحد (وأحيانا من داخل الأسرة الواحدة)، كثيرا ما يثير إحساسا أكبر بالغيرة والخوف من فقدان الساحة لغريب. لذا، فمهاجمة "إسرائيل" ستكون طريقة لإحراج المنافسين الإسلاميين،  وتبرير الصدام معهم لاحقاً.
في الأثناء، فإن فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية التقليدية، التي كانت تمنع تحول فلسطين إلى ورقة في يد المغامرين والحزبيين وأصحاب الأيديولوجيا والأجندات غير الفلسطينية، خارج المشهد وخارج الحسابات.

[email protected]