تبادل الأطباق بين الجيران طقس اجتماعي حاضر في زمن "كورونا"

منى أبوحمور

عمان - لم يخل شهر رمضان المبارك هذا العام من صور التكافل الاجتماعي التي اعتاد الأردنيون على رسمها طوال أيام الصيام، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسببت بها أزمة كورونا.اضافة اعلان
تبادل الأطباق الرمضانية عادة اجتماعية تبرز خلالها أعلى قيم التكافل الاجتماعي التي ميزت الأسر الأردنية، طبق الجيران أو تفقيدة الجيران، كما يطلق عليه البعض، يزين موائد الأردنيين، ويكاد يكون لدى البعض وجبة إفطار رئيسية.
الظروف الصعبة بسبب تداعيات أزمة كورونا تسببت في ضيق حال العديد من الأسر التي لم تقو على مصاريف رمضان ومتطلباته، وأجبرتها على التقنين بعدد الوجبات.
"رمضان شهر الخير.. ويأتي الخير معه وقت الأذان.. تأتي رزقة الأولاد"، بهذه الكلمات وصفت أم أمين طبق الإفطار الذي يأتي من جيرانها مع أذان المغرب رغم أنها تكون قد أعدت وجبة الإفطار لعائلتها.
اعتاد أطفال أم أمين على انتظار الطبق الذي يرسله الجيران بشغف كل يوم، لافتة إلى أنهم في كل يوم "يتحزرون" ماذا سيكون في الصحن، فلم يعد الطبق بالنسبة لهم مجرد إضافة، وإنما لحظة ينتظرونها كل غروب.
تبادل الأطباق في شهر رمضان له وقع مميز طوال الشهر؛ حيث تبدأ الأطباق تتناقل بين أدراج العمارة، وفق وصف أم أحمد، التي تبدأ بتجهيز صحون الجيران وتوزيعها مع أذان المغرب، مع مراعاتها إجراءات الوقاية بارتداء القفازات أثناء إعداد الطعام.
وتقول أم أحمد "رغم أننا في كل يوم نحضر وجبة الإفطار، إلا أن الأطباق التي تأتي من الجيران مميزة وتزين المائدة".
في حين يشكل طبق الجيران قيمة كبيرة لدى عائلة أبو رامي الذي توقف عن العمل بسبب تداعيات أزمة كورونا، وعليه تمكن الجيران ومن خلال الأطباق الرمضانية التي اعتادوا على تبادلها في الشهر الفضيل الوقوف الى جانبه، فهو يعمل بنظام المياومة؛ من تأمين وجبة إفطار له ولعائلته بدون أن يشعر بأنه أقل من غيره.
ولحارس العمارة أيضا نصيب من الأطباق الرمضانية؛ حيث يتفق سكان العمارة على تقديم وجبة الإفطار له كل يوم من عائلة محددة، وتقوم العائلة التي ستقدم له وجبة الإفطار بإخباره منذ الصباح، وتجهيز الطبق قبيل أذان المغرب.
هذه العادة الجميلة تبدد الشعور بالغربة لدى الخمسيني مينا الذي يفتقد تناول الإفطار في شهر رمضان وسط عائلته في دولة مصر، إلا أن حالة التآلف والتكافل التي يجدها من سكان العمارة التي يعمل بها حارسا، تهون عليه الغربة، حيث يحظى بإفطار مميز.
لم تعد ظاهرة تبادل الأطباق في رمضان عرفا اجتماعيا أو طقسا مرتبطا بشهر رمضان المبارك فحسب، وإنما أصبحت إحدى صور التكافل الاجتماعي المميزة التي صدرها الأردنيون للعالم أجمع خلال أزمة "كورونا"، وفق اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي.
ويشير، بدوره، إلى أنه وبالرغم من أن هذه الظاهرة منتشرة بين الأردنيين منذ زمن قديم، إلا أنها أصبحت أكثر أهمية في شهر رمضان المبارك الحالي، الذي قدم على كثير من العائلات، وهي تحت وطأة الفقر والعوز بسبب فقدانها مصدر رزقها جراء تداعيات أزمة "كورونا".
ويعتبر الخزاعي تبادل الأطباق عادة اجتماعية "أصيلة"، ومن السلوكيات النبيلة التي تشهدها الكثير من العائلات في شهر رمضان، وتؤكد شعور الجيران ببعضهم بعضا، ووقوفهم معا في الظروف كافة، وتشاركهم فرحة الإفطار حتى لو من خلال الأطباق التي يتم تبادلهم.
ويقول الخزاعي "الكثير من العادات الاجتماعية المميزة التي تتسم بها العائلات الأردنية في شهر رمضان كل عام هي طوق النجاة للكثير من الأسر العفيفة التي لم تعد قادرة على تأمين لقمة العيش خلال فترة أزمة كورونا، ولعل تبادل الأطباق الرمضانية يعد من أهم هذه العادات".
ويشدد الخزاعي، بدوره، على ضرورة اتباع تعليمات السلامة، والحرص على تبادل الأطباق بين الجيران حتى تبقى هذه العادة ثمرة خير وعطاء، ولا نعرض حياة بعضنا بعضا للخطر، وتضيع الجهود التي بذلها الشعب الأردني والحكومة في مواجهة هذه الجائحة.
ويلفت الخزاعي إلى أن التنوع في أصناف الغذاء على المائدة الرمضانية يزيد من قابلية الناس على تناوله ويخفف من حدة الصيام، ويخلق أجواء جميلة بين الناس عند استقبال الأطباق.
ويؤكد الخزاعي أن تبادل الأطباق يأتي مع التنشئة الاجتماعية والمحافظة على القيم والسلوكيات الجميلة التي تقوي العلاقات بين الجيران والأهل، حتى بعد رمضان، مضيفا أن تعميم هذه العادة أمر جميل وينمي روح التكافل والمحبة بين الناس.
وينوه الخزاعي، من جهة أخرى "ليس ضروريا إن بعثت طبقا لجارك أن يقوم بدوره بإرسال طبق لك، فربما يكون طعامه قليلا أو ليس لديه القدرة، فالأولى أن تكون هذه العادة المحببة على حسب مقدرة وإمكانيات الجيران، للحفاظ على ديمومتها".