رأس السنة الهجرية: احتفالية ملؤها دفء وروحانيات تعم البيوت

المسجد النبوي - (ارشيفية)
المسجد النبوي - (ارشيفية)

تغريد السعايدة

عمان- يحتفل العالم العربي والإسلامي اليوم، بدخول العام الهجري الجديد 1439، وسط أجواء احتفالية بهذه المناسبة التي تعود على الأمة الإسلامية، ولدى الكثيرين، الرغبة في أن يعم السلام وتنتهي الحروب التي طالت ملايين البشر، وهي رسالة الإسلام السمحة التي تدعو إلى التسامح والمحبة والسلام بين مختلف الأديان والشرائع.اضافة اعلان
وتعلن الكثير من الدول العربية ومن بينها الأردن هذا اليوم عطلة رسمية فيها، كصورة بارزة للاعتزاز بذكرى الهجرة النبوية، وما يصحبها من أجواء احتفالية يعيشها المسلمون، تختلف من دولة لأخرى؛ إذ أنشأ عمر بن الخطاب هذا التاريخ الهجري، الذي يرتكز على موعد هجرة رسول الله عليه السلام، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، لتكون انطلاقة تأسيس الدولة الإسلامية المنتظمة، وسمي بالعام الهجري، على الرغم من أنه يعتمد في توقيته على "التوقيت القمري" وحركة القمر للأشهر العربية، والتي تقل عن أيام التقويم الميلادي بحوالي 11 يوماً.
وفي الأردن تقرر أن يكون ذكرى الهجرة النبوية يوم عطلة لجميع المؤسسات والدوائر الرسمية، وعلى صعيد أبناء المجتمع، تقوم الكثير من العائلات ببعض المظاهر الاحتفالية، مثل توزيع الحلوى المخصصة لهذا اليوم، وهي حلوى "المشبك"، وتبادل الرسائل على الهواتف الخلوية ومواقع التواصل الاجتماعي للتذكير بهذا اليوم.
أميمة أحمد تقوم في هذا اليوم بإرسال رسائل للتهنئة والتذكير بيوم الهجرة النبوية، لكل من يتواجد عندها على "واتساب"، بالإضافة إلى "فيسبوك"، وتعتقد أن هذا أقل ما يمكن أن تقوم به لتبقى ذكرى الهجرة عالقة في الأذهان، ويتذكرها الأطفال دائماً، وتترسخ لديهم الأفكار التي تختص بالهجرة، وعِظم هذا اليوم.
وتنتشر في محلات بيع الحلوى في هذه الأيام حلوى خاصة بهذه المناسبة، وهي "المشبك"، التي انطلقت فكرتها من مصر، وكان يُعدها بائعو الحلوى في هذا اليوم تحديداً، حتى أصبحت تقليدا في كل مكان، وتقدمها مجلات الحلوى في الأردن كذلك، ويقبل عليها المواطنون في هذه الفترة، كجزء من مظاهر الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية.
ولكونه اليوم عطلة رسمية احتفالا بهذه المناسبة، فإن ثناء مخلد تقوم بتحضير القهوة منذ الصباح وتقديم الحلوى لضيوفها، وتحرص على حضور المحاضرة الدعوية التثقيفية التي تقدمها لجنة المسجد بالقرب من منزلها، وبحضور جمع من سيدات "الحارة" ويحضرن الحلويات والمطويات في هذه المناسبة، والتهنئة للحضور.
كما تحرص ثناء على أن تعطي أطفالها سلة فيها بعض السكاكر والتمور لتوزيعها في المدرسة على زملائهم الطلبة، ليشاركوا في هذا اليوم، كي تصبح لديهم فكرة الاحتفاء بهذه المناسبة، عدا عن مشاركة المعلمات لهم في هذا اليوم.
أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة العلوم الإسلامية، الدكتور ليث العتوم، يرى أنه من الأهمية بمكان أن تحتفي الأمة الإسلامية بهذه المناسبة، التي لها تأثير ووقع في التاريخ الإسلامي للأمة، وقد استند الكثير من العلماء على وجوب وأهمية الاحتفاء والتذكير بها من خلال الكثير من الأدلة، ومنها قوله تعالى "وذكرهم بأيام الله"، فقد خاطب الله تعالى سيدنا محد عليه السلام بضرورة تذكير المؤمنين بأيام وأحداث الأمم السابقة العظيمة، فكان من الأولى أن تتذكر الأمة الإسلامة أيام الإسلام العظيمة، ومن ضمنها الهجرة النبوية التي لها الكثير من العبر والمواعظ والرسائل الربانية التي تقوي صلة الإنسان بخالقه ودينه ونفسه.
ولهذه المناسبة أجواؤها المعتادة التي تختلف من دولة إلى أخرى، ولكنها تجتمع على الاعتزاز والفخر بالدين الإسلامي وبذكرى هجرة الرسول إلى المدنية المنورة، لتكون بعدها انطلاقة الدولة الإسلامية ووضع القواعد لها، حتى أصبحت الأمة بعد ذلك عظيمة بين الأمم.
إلا أن الاحتفال بها في هذا الوقت، له صوره المبهجة التي تتمثل في أن يكون يوم عطلة، وله مظاهر احتفالية تتمثل في إقامة الحفلات الدينية، كما في بعض الدول التي تقوم بذلك، كمصر وبعض دول المغرب العربي.
وبين العتوم أن المؤمن عليه أن يتذكر علاقته بدينه ويطهر نفسه من الذنوب والمعاصي، وأن يكون إنسانا متعايشا ومسالما مع الآخرين بهدف بناء المجتمع، والابتعاد عن الفتن، فكان الرسول يهدف من هجرته إلى من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أن يؤمن البيئة المناسبة والسليمة التي تقوم عليها الدولة الإسلامية، بدءا من تقويم المسلم في تلك المرحلة لنفسه ويحيا حياة آمنة وأجواء تعايش مع الآخرين حتى تقوم الأمة وتستطيع أن تكون عظمية.
وبذلك، يؤكد العتوم أهمية المحافظة على الأمن في المكان الذي يحيا فيه الإنسان، فذلك من مقومات الحياة السلمية، وتعد ذكرى الهجرة النبوية صورة على ذلك، معتبرا إياها كذلك إشراقة للحياة والبناء، وهي امتداد للإسراء والمعراج، فقد هاجر النبي عليه السلام في هذه المناسبة من الأرض إلى السماء، موطن الأطهار في فترة اضطهاد وإيذاء يتعرض له النبي وصحبته من المسلمين، وكان أن وجد الطمأنينة والراحة والأمل.
فالإنسان لا بد أن يقيم الهجرة في نفسه من خلال التخلي عن معاصيه وذنوبه، والهجرة إلى السلام الداخلي في نفسه ومصالحته مع المجتمع الذي يحيا فيه، وأن يكون هناك تقبل للآخر، كما يقول العتوم، عدا عن أنها تعلمنا أن نرتقي في الأرض وإعمارها، وهي من ضمن الأهداف التي كان الرسول يسعى لإرسائها لنشر الدين الإسلامي المتسامح القائم على التعايش.