رزان خلفة.. تستلهم من الرصيف مكانا لتدريس أطفال أقل حظا

رزان خلفة - (تصوير: اسامه الرفاعي)
رزان خلفة - (تصوير: اسامه الرفاعي)

مجد جابر

عمان- هي لم تبحث عن الشهرة، ولا تسليط الضوء عليها، كانت تجربة شخصية نابعة من قلبها ومن حسها بمسؤولية تجاه أطفال بعمر الزهور كل أملهم أن ينالوا حصة ولو قليلة من التعليم الجيد.
ولأن “الصدفة” كانت وراء التقاط أحدهم صورة لها وهي تقوم بتدريس أطفال على أحد الأرصفة، فإن عمل رزان خلفة (24 عاما) ومبادرتها الشخصية وصلت للعديد من الناس من دون أن تعلم، حينما قالت لها إحدى الصديقات إن صورة لها وهي تدرس الأطفال منشورة على بعض المواقع الإخبارية.
في منطقة البنيات مكان السكن، كانت البداية حينما كانت تمشي في أحد الشوارع القريبة من بيتها؛ حيث لفت انتباهها مجموعة من الأطفال أعمارهم ما بين خمس وعشر سنوات، يلعبون أغلب وقتهم بالشارع بالقرب من خيمة يسكنونها مع عائلاتهم فقط في فترة الصيف لجني المحصول من الأرض.
وقفت معهم وتحدثت اليهم، لفتها أن جزءا منهم لم يحصل على تعليمه، فيما الباقي منهم بالكاد يفكون الخط ويقرؤون الكلمات!
ومن منبع حب رزان للتعليم، وهي التي تعطي دروسا خصوصية في مادة اللغة الانجليزية للصفوف كافة، ومحبة للقراءة والتعليم، ومنهج اعتماد الطالب على البحث وليس التلقين، قررت إعطاء الأولوية وأغلب وقتها لهؤلاء الطلبة الذين بحاجة ليد تمتد لهم، من خلال دروس مجانية بشكل شبه يومي لمدة ساعتين.
وعلى أحد الأرصفة تجلس برفقتهم في الهواء الطلق، وبرفقة الكتب والأوراق التي تتناثر هنا وهناك، لتعطيهم الدروس في مادة اللغة الانجليزية التي تتناسب وأعمارهم، فيما الأطفال في أعلى درجات فرحهم.
طلبت رزان من عائلاتهم أن تعطي الأطفال دروسا مجانية، ولاقت الفكرة ترحيبهم. ومنذ أكثر من شهرين وهي تتابع الصغار أولا بأول وتتفاجأ بمستوى ذكائهم الكبير، والحرص على حل جميع الواجبات المطلوبة منهم.
كانت فرحة رزان كبيرة، كما تقول لـ”الغد”، وهي ترى أن الوقت الذي تمنحهم إياه للتدريس جاء بنتائج مذهلة، لتشعر بالإنجاز وبأهمية الوقت الذي تمنحهم إياه.
كان هؤلاء الأطفال يبحثون عنها إن تأخرت عليهم دقائق معدودة، ينتظرون مرور سيارتها في المنطقة، يذهبون الى بيتها يسألون عنها، يقولون لها “حلينا الواجب بدنا تشوفي كيف حفظنا كل شي حكتيلنا عنه”، تلك الكلمات البريئة كانت كفيلة بأن تنثر السعادة على رزان، كما تقول.
رزان محبة من صغرها للغة الانجليزية، وتبحث باستمرار عن أفضل الطرق التي يستفيد منها الطالب، بعيدا عن أسلوب التلقين والتدريس التقليدي المنتشر في أغلب المدارس، لذا حرصت على أن يكون هنالك أسلوب خاص بها، بالرغم من أنها بدأت بإعطاء الدروس الخصوصية منذ أن كانت طالبة بالجامعة.
لكن تجربتها مع هؤلاء الطلبة الذين بحاجة حقا لفرصة بتعليم جيد، كانت بالنسبة لها الهدف الأهم الذي سعت لتحقيقه، بمبادرة شخصية تسعى لتطويرها، لإعطاء الأطفال الأقل حظا فرصة لأخذ حصة جيدة من التعليم وإن كان بالمادة التي تختص بتدريسها.
راودت الفكرة رزان منذ عامين، ونفذتها بداية مع أربعة أطفال؛ حيث تحدثت معهم في الموضوع وأخبرتهم أنها ترغب في تدريسهم، وإحضار دفاتر وأقلام وألوان وطوابع جديدة اذا وافقوا، فلم يتردد هؤلاء الأطفال بالقبول ليبدأ مشوارها معهم.
ويبدأ يوم رزان معهم في وقت المغرب حتى لا يتضرروا من أشعة الشمس، وتذهب مشيا على الأقدام وتصطحبهم برفقتها الى رصيف مواقف السيارات الخاص بجامعة البترا لتبدأ حصتها.
فرحة الأطفال وهم في الطريق ولهفتهم لأخذ الدرس، وإسراعهم في حجز الرصيف النظيف قبل وقت من الدرس، كلها أمور جعلت رزان تشعر بقيمة الشيء الذي تقدمه لهؤلاء الأطفال رغم بساطته.
وتؤكد رزان أن هؤلاء الأطفال لن تتركهم قبل أن تتأكد أنها قد علمتهم أغلب الأشياء، مبينةً أنهم أطفال أذكياء جداً ولديهم قدرات عالية مع اختلافات بسيطة بسبب الأعمار، معتبرة أنه لا يوجد طفل لا يستوعب أو محدود القدرات، لكن الأصل في الطريقة والأسلوب الذي يتعلم من خلاله.
وتعتبر رزان أن كل طفل لديه قدرات وليس ذنبه أن أوضاعه أو بيئته لم تهيئ له الظروف المناسبة وتوجهه للاتجاه الصحيح، لذلك فإن كل طفل بحاجة الى فرصته، معقبة “إن كل طفل فقير حقه أن ينال تعليما جيدا وأن نستطيع إظهار مكامن الإبداع بداخله”.
وترى رزان أن التدريس أمر صعب جدا، غير أن نتائج التغيير التي تتحقق من خلال قدرات الطفل وثقته بنفسه والتغير في شخصيته، تشعر الإنسان بمعنى الفرح الحقيقي والإنجاز.
وتقوم رزان بترتيب الجلسة للأطفال على الرصيف بجانب بعضهم بعضا، خصوصا وأن عددهم وصل الى 14 طفلا؛ حيث تقسمهم الى مجموعات بحسب أعمارهم، ويقضون ساعتين في الدراسة والاستمتاع، في الوقت الذي كانت ترى فيه نظرات الاستغراب الممزوجة بالفرح في عيون المارة وهم ينظرون اليهم.
رزان ستستمر في تعليم الأطفال، وتنوي التوسع أكثر والبحث عمن لا يملكون القدرة المالية على الدراسة بعيدا عن الأساليب التقليدية، مبينةً أنها بدأت باستقبال القرطاسية من المتبرعين، واحتمالية تقديم مكان مناسب للتدريس مثل “كرفان” يقوم بالتنقل من مكان لآخر. كما لديها الكثير من الأفكار التي تطمح لتنفيذها، من بينها تعليم عمال الوطن.
وأبدت مجموعة من الفتيات رغبتهن في تدريس مواد أخرى بشكل تطوعي معها، في محاولة لتقوية الأطفال بالمواد الدراسية الأخرى.
وتشعر رزان بأهمية ما تقوم به، وحينما يكون مستوى الطالب ضعيفا تشعر بالإنجاز أكثر، لافتة الى أهمية إعطاء الأطفال كل ما يقويهم دراسيا ويساعدهم في تحديد اختياراتهم مستقبلا.
وتأمل رزان أن يحصل كل طالب على حقه بالتعليم الجيد، فقيرا كان أم غنيا، لأنها تدرك أن التعليم هو أساس تقدم الشعوب ورفعتها.

اضافة اعلان

[email protected]