سياسات حرية التعبير في الدول المسلمة

حرية التعبير هي أساس الخطاب السياسي (تعبيرية) - (أرشيفية)
حرية التعبير هي أساس الخطاب السياسي (تعبيرية) - (أرشيفية)

ل. علي خان* - (كاونتربش) 28/4/2021

ترجمة (بتصرف): علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

يمكن اعتبار الخطاب السياسي، وهو أهم جزء من حرية التعبير، أي شيء سوى أن يكون قوياً في معظم البلدان الإسلامية. ويقع انتقاد الحكومة في قلب الخطاب السياسي. ويجب أن يكون المواطنون العاديون والصحفيون أحرارًا في انتقاد المسؤولين الحكوميين، وفضح الفساد في الحكومة، والاعتراض على السياسات، حتى لو كان "أولئك الذين يسيطرون على الحكومة يعتقدون أن ما يقال أو يكتب غير حكيم، أو غير عادل، أو كاذب أو خبيث". (المحكمة العليا الأميركية، 1964). وحتى تهم التشهير والقذف لا ينبغي أن تكونا متاحتين للحكام والمسؤولين العموميين لمقاضاة وتكميم أفواه النقاد والصحفيين.
تقوم العديد من الدول المسلمة بخنق الصحافة الحرة، بعضُها أكثر من غيرها. وتمتلك بعض الدول وسائل الإعلام ولا تسمح بعمل الصحافة التجارية، بينما تسمح دول أخرى بالصحافة التجارية، ولكنها تسيطر عليها من خلال قوانين الرقابة. وفي بعض الحالات، تسيطر الأجهزة العسكرية والاستخباراتية على وسائل الإعلام الحكومية والصحافة التجارية بأيدٍ خفية. وفي العديد من البلدان المسلمة يختفي الصحفيون ويتعرضون للاضطهاد، والسجن، والاعتداء، والتعذيب والقتل.
يمكِّن غياب الصحافة الحرة الحكومات من التلاعب بالمعلومات التي تصل إلى الناس. وعلى الصعيد العالمي، تحتل الدول المسلمة الرائدة المراتب الأخيرة في تصنيف الصحافة الحرة. فمن بين 180 دولة صنفتها منظمة "مراسلون بلا حدود"، وهي منظمة غير حكومية، احتلت إيران المرتبة (174)، والمملكة العربية السعودية المرتبة (170)، وهما الدولتان الرئيستان لطائفتي الإسلام الرئيسيتين؛ السنية والشيعية. وهي مراتب من بين الأسوأ في العالم. واحتلت الديمقراطيات المزعومة، باكستان (145)، بنغلاديش (152)، وتركيا (153)، مراتب أفضل قليلاً من مصر (166) التي تخضع لحكم عسكري، ومن العراق (163) الخارج من غزو أميركي. وجاء ترتيب إندونيسيا، الدولة الإسلامية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، متخلفاً في المرتبة 113 أيضاً.
وكانت بوركينا فاسو (37) والسنغال (49)؛ الدولتان المسلمتان الوحيدتان بين الدول الخمسين الأولى، استثناء من بين 57 دولة ذات أغلبية مسلمة، والتي تحتل كلها مراتب متدنية. وسورية (177)، اليمن (169)، أفغانستان (122) هي دول مزقتها الحرب. وحتى الدول المسالمة، مثل ماليزيا (119)، سجلت درجات متدنية في مجال حماية الصحفيين وحرية الصحافة.
الخطاب السياسي
في القرن الحادي والعشرين، تشكل حرية التعبير حقًا عالميًا يسمح للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين بالتعبير عن آرائهم ضمن حد أدنى من القيود القانونية. وتُمكِّن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) الناس في كل أمة من "البحث عن المعلومات والأفكار، وتلقيها، ونقلها من خلال أي وسائط وبغض النظر عن الحدود". وهذا الإعلان ملزم لجميع الدول باعتباره قانوناً دولياً عُرفياً. ويعد الخطاب السياسي، أكثر من الخطاب التجاري والاجتماعي والديني والفني، ضرورياً بشكل حاسم لمساءلة الحكام.
لا يمكن فصل الخطاب السياسي عن مفاهيم السيادة الشعبية، وإرادة الشعب والحكم الذاتي. ويحتقر الاستبداد الخطاب السياسي. والأنظمة السياسية التي تأسست على احتكارات السلطة، مثل الجيش، والثيوقراطية، والبطولية الطائفية، هي ديكتاتوريات مختلفة. ولسوء الحظ، استسلمت معظم الدول المسلمة لاحتكارات السلطة. وحتى الديمقراطيات الدستورية، مثل باكستان وتركيا، تعاقِب الانتقادات الموجهة للقادة السياسيين والعسكريين لأسباب أناقشها أدناه.
لا يكتسب الخطاب السياسي أي أهمية ما لم يكن الصحفيون العاملون في وسائل الإعلام الحكومية والصحافة التجارية قادرين على نقل الأخبار والتحليلات من دون مضايقة وتهديدات بالضرر. وعلى عكس المواطنين العاديين، يكون الصحفيون قد تدربوا في علم إعداد التقارير الإخبارية القائمة على الأدلة، ويتعلمون طرق التحقيق لكشف الحقائق، وإبلاغ الحقائق للجمهور تحت إشراف المحررين والناشرين. ولا تلتزم صحافة الشركات دائمًا بأخلاقيات الصحفيين أو تخدم مصالح الناس الفضلى. ومع ذلك، فإن قمع الأخبار والتحليلات بحجة "الأخبار الكاذبة" أو "الأمن القومي" أو "احترام الحكام" (وهو مفهوم سائد في الدول العربية) هو شأن قاتل للخطاب السياسي.
احتكارات القوة
نظرًا لأن الشريعة الإسلامية لا تفرض أي شكل من أشكال الحكم، أنشأت الدول المسلمة أشكالًا متنوعة من الحكومة، بما في ذلك الديمقراطية. ومع ذلك، منذ ظهور الإسلام في القرن السابع، استحضرت النخب الحاكمة المسلمة مذاهب دينية مريبة واستندت إليها لإقامة احتكارات للسلطة من خلال الخلافة وما شابه. وكانت الإمبراطوريات الإسلامية، بما في ذلك الأمويون (661-750م) والعباسيون (750-1258م) والعثمانيون (1299-1922م) والمغول (1526-1857م)، احتكارات سلالات فُرضت على الشعب. ويستغل بعض الحكام المعاصرين النصوص المقدسة، مثل "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وهي آية من القرآن، لتبرير ولاية أنظمتهم وعدم خضوعها للمساءلة.
يمتلئ العالم الإسلامي، في القرن الحادي والعشرين، باحتكارات السلطة. ويجادل بعض الحكام صراحة بأن الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم الغربي غير المناسب للثقافات الإسلامية، وهو ما ناقشته في كتابي، "نظرية للديمقراطية العالمية" (2003). وعلى سبيل الثال، فرض رجال الدين الإيرانيون ديمقراطية ثيوقراطية، ما أدى إلى تضييق نطاق الخطاب السياسي بشكل كبير. ويعتمد السلطويون النرجسيون، مثل القذافي وصدام حسين وطيب أردوغان، على قيادة عقائدية لإسكات الخطاب السياسي.
تُمكِّن لازمة "الأمن القومي" الجيوش لتأسيس احتكارات علنية وسرية للسلطة. ولا تستطيع الدول التي يحتكر فيها الجيش السلطة الحفاظ على الديمقراطية لأن الجيش لا يثق في أن الشعب سينتخب قادة سياسيين مسؤولين. وتشكل باكستان ديمقراطية دستورية على الورق، لكن الجيش يتصرف كاحتكار للسلطة بحكم الأمر الواقع وراء ستار الدخان البرلماني. وتطلق الجيوش دعاية تفيد بأن الأمة ستنهار من دون سيطرة الجنرالات.
لدى رفض احتكارات السلطة، يحتاج السكان المسلمون والسياسيون والأكاديميون والفقهاء والصحفيون والقضاة إلى إحداث تحول جذري في الطريقة التي ينظرون بها إلى الحكام. ويجب عليهم التأكيد أن الخطاب السياسي (النقد الصريح للحكومة) هو شأن لا غنى عنه لتحقيق الحكم الرشيد.
العنف ضد الصحفيين
كان ارتباط الدول المسلمة بالاحتكارات السياسية هو السبب في أن معظمها لا تنمي تقليداً للصحافة المهنية. وتقوم الاحتكارات السياسية بتقويض الصحافة المهنية وتستخدم مجموعة متنوعة من التكتيكات لمنع صعود الصحفيين المستقلين. والصحافة القائمة على الخوف تشوه الحقائق لإرضاء أصحاب السلطة. وفي بعض الحالات، يحصل الصحفيون على أموال ومزايا أخرى إذا عملوا في صالح الحكام. وبالتالي، فإن المواطنين المسلمين لا يثقون بالصحفيين المحليين ويعتبرونهم محتالين يفعلون ما يطلبه منهم مشغِّلوهم السياسيون. وفي باكستان، يتم تشويه سمعة العديد من الصحفيين باعتبارهم صحفيي "لافافا"، ما يعني أنهم يتلقون المال لنشر قصص مواتية للمصالح الخاصة.
لا يمكن للخطاب السياسي أن يزدهر من دون صحافة مهنية. فتمامًا مثل الأطباء والمهندسين والمحامين، يمتاز الصحفيون بأنهم محترفون مدربون في علم إعداد التقارير الإخبارية القائمة على الأدلة. وعلى الرغم من أن المواطنين العاديين، والناخبين، والأحزاب السياسية، وصناع الرأي، والأكاديميين والاختصاصيين الاجتماعيين يشاركون في الخطاب السياسي، فإن الصحفيين يمكنهم الوصول إلى جمهور منظم يقرأ الصحف ويشاهد التلفاز. ويكون الصحفيون المؤثرون على دراية بتاريخ الأمة، وعلم الاجتماع، والدستور والسياسة الخارجية. وتمكِّن الخلفية المعرفية الواسعة الصحفيين من وضع الأخبار في سياقها وتحليل سياسات الحكومة.
تتميز الدول التي تقبع تحت الحكم العسكري بكونها من أكبر سجاني الصحفيين في العالم، حيث يقضى البعض سنوات في الاحتجاز من دون توجيه اتهامات أو محاكمة. وفي إيران، في ظل حكم رجال الدين، "تمت مقاضاة واعتقال وسجن 860 على الأقل من الصحفيين والمواطنين والصحفيين -وإعدامهم في بعض الحالات منذ ثورة العام 1979". وفي ظل حكومة عمران خان غير الكفؤة، اختطفت أجهزة الاستخبارات في باكستان الصحفيين، وقالت لهم: "توقف عن تغطية القصص غير المرحب بها وإلا فإن عائلتك لن تجدك على قيد الحياة".
وفي تركيا، "تسيطر الحكومة على 90 في المائة من وسائل الإعلام الوطنية" وتخنق الصحافة المستقلة من خلال التحكم في أموال الإعلانات الحكومية والبطاقات الصحفية. والمغرب، التي تحتل المرتبة (136)، تستخدم "الفضائح الجنسية" لمضايقة الصحفيين. وتطبق بنغلاديش قانون الأمن الرقمي للعام 2018 لإسكات الصحفيين وتفرض عليهم الرقابة الذاتية. وفي إندونيسيا، "يرهب الجيش الصحفيين، بل ويستخدم العنف ضد الذين يغطون انتهاكاته". وتتذرع دول عربية بالتشهير والمساس بسمعة الدولة لمعاقبة الصحفيين الذين قد يلجأون إلى "الحد الأدنى من انتقاد النظام".
الحماية القضائية
ليست هناك أي حكومة ترحب بالنقد، ولا حتى في الديمقراطيات الغربية. في أميركا، كان الرئيس ترامب يدين الصحافة الحرة ويصفها بأنها "الأخبار المزيفة". والقضاء القوي هو حصن الصحافة الحرة. لم يكن من الممكن أن تزدهر حرية التعبير في الولايات المتحدة من دون الشجاعة غير المسبوقة للمحاكم الفيدرالية في إسقاط القوانين واللوائح التي تقيد الخطاب السياسي. ووفقًا للمحكمة العليا الأميركية، فإنه "نظرًا لأن التعبير هو آلية أساسية للديمقراطية -حيث هو الوسيلة لمساءلة المسؤولين أمام الشعب- فإن الخطاب السياسي يجب أن يسود ضد القوانين التي يكون من شأنها قمعه، عن قصد أو عن غير قصد".
لسوء الحظ، لا تحمي المحاكم العليا في العديد من البلدان المسلمة الصحفيين أو الصحافة الحرة أو الخطاب السياسي. وهناك أسباب هيكلية عدة لتردد القضاء في حماية الخطاب السياسي والصحفيين. في العديد من البلدان الإسلامية، لا يكون القضاء نفسه مستقلاً، ويخشى القضاة من الانتقام إذا قاموا بإلغاء القوانين التي تقمع التعبير. ولا يوجد تقليد قضائي للقضاة في بعض البلدان لتحدي احتكارات السلطة، مثل رجال الدين في إيران، أو محتكري السلطة في الدول العربية. والأسوأ من ذلك، أن بعض السلطات القضائية تؤيد الأيديولوجية الاستبدادية، معتقدة أن البلاد بحاجة إلى "قادة أقوياء" من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي.
خذ باكستان، على سبيل المثال، وهو بلد يترسخ فيه الاستقلال القضائي أكثر من أي دولة مسلمة أخرى. هناك، أقالت المحكمة العليا الباكستانية رئيسَي وزراء منتخبين ديمقراطياً في قرارات جريئة -وإن كانت مثيرة للجدل. وتمتثل المؤسسات الحكومية، بما في ذلك البيروقراطية، والحكومة، ولجنة الانتخابات الباكستانية، لقرارات المحكمة العليا. ويتسامح النظام السياسي حتى مع القضاة مفرطي النشاط الذين يتولون السلطة الإدارية.
ومع ذلك، يواجه القضاة الباكستانيون مقاومة شديدة من أجهزة الاستخبارات عندما يتعلق الأمر بحماية الخطاب السياسي. ولم تتمكن المحاكم من حماية مؤسسات ووسائل الإعلام التي تنتقد الجيش أو الأجهزة الأمنية. وهي عاجزة عن استعادة المفقودين، بمن فيهم الصحفيون، الذين يختفون في ظروف غامضة. ولا يمكنها حل القضايا التي قُتل فيها صحفيون مؤثرون، مثل حامد مير وأبصار علم.
في الوقت الحالي، يواجه قاضٍ في المحكمة العليا احتمال عزله من المحكمة بسبب كتابته رأيًا قضائيًا وجه فيه اللوم إلى المؤسسة الأمنية ووكالات المخابرات لعملها خارج الإطار القانوني. ومن المفارقات أن الرئيس الباكستاني صادق، بدفع من الجيش، على إقالة القاضي. ووزير العدل، عضو البرلمان، الذي يستقيل مؤقتًا من منصبه من أجل الدفاع عن الجنرالات، مصمم على عزل القاضي من المحكمة. ويُظهر هذا المثال كيف تدعم القوى السياسية نفسها احتكارات السلطة الخفية.
خلاصة
ليس هناك حل سريع لفرض الحق في التعبير السياسي في البلدان المسلمة حيث الاحتكارات السياسية مترسخة بعمق ولها مخالب متعددة الطبقات. وتقاوم احتكارات السلطة بالقوة أي محاولات للطعن في سيطرتها على آلة الدولة. ولنفترض أن الصحفيين والقضاة يتعاونون في إضعاف قبضة جماعات السلطة؛ سوف يجعلهم ذلك عُرضة للاضطهاد. ومع ذلك، وفي ما ينسجم مع مهنتيهم، يتحلى القضاة والصحفيون بالشجاعة للدفاع عن الخطاب السياسي أكثر فأكثر. وسوف تواصل وسائل الإعلام والمنظمات العالمية، مثل "مراسلون بلا حدود"، فضح احتكارات السلطة من خلال فضح الانتهاكات التي تلحق بالصحفيين. ومن المرجح أن تختبئ احتكارات السلطة المحرَجة -الدينية، والطائفية وغيرها- التي تستهدف الخطاب السياسي وراء الدين، على الرغم من أن الإسلام يعلّم أتباعه محاربة مأسسة الاضطهاد.
*L. Ali Khan: درس في البداية كمهندس مدني. وتحول لاحقًا إلى دراسة القانون، وحصل على إجازة في القانون من جامعة البنجاب في لاهور. في العام 1976، هاجر إلى الولايات المتحدة ودرس القانون في كلية الحقوق بجامعة نيويورك حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلم القضائي. وهو أستاذ فخري في كلية الحقوق بجامعة واشبورن. وكان هذا المقال من إعداد "أكاديمية الباحث القانوني".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Politics of Free Speech in Muslim Countries