طريق الإصلاح واضح.. فلماذا ندور حول الشجرة؟!

تبدو مشكلتنا في أننا نترك المفيد ونبحث دوما عن قضايا فرعية نتعلق بها، فتصبح الفروع أهم من الأصول. ولا نكتفي بذلك، بل نفتح حوارات حول القضايا الجانبية، ونتعامل معها وكأنها قضايا العصر، وكما لو أننا نعلن ترك المفيد وأصل الموضوع وجوهره، فنكون بذلك كمن يحرث في البحر.اضافة اعلان
قصتنا منذ عام ونيف في مسيرة الإصلاح، هي في ما إذا كان على مؤسسات الدولة، الاتفاق على جوهر الإصلاح الذي نريد، وهل نريد إصلاحا كاملا متكاملا، ينقلنا من أفق إلى أفق جديد؟ أم نريد إصلاح مواضيع معينة، وترك أخرى، يُحرم علينا الاقتراب منها؟
إن كنا نريد إصلاحا حقيقيا، فدعونا نتوافق على شكله؛ إذ لا إصلاح دون برلمان حزبي مسيّس.. قادر على التشريع والرقابة، وحكومة تعرف بأنها تحت عين البرلمان ورقابته، وأجهزة أمنية تعرف أين تقف، وأن محاسبتها واردة.
دعونا نتوافق أولا حول ما إذا كنا نريد هذا الشكل من الإصلاح أم لا. فإذا كنا نريده، فطريقه واضحة لا حياد عنها، وهي قانون انتخاب يؤمن وصول الأحزاب إلى  قبة البرلمان وتغييب كل ما عداها.
فالإصلاح لا يلتقي مع الطائفية، ولا الإقليمية ولا الجهوية، ما يعني أننا نريد نوابا مشرعين، لا واجهات عشائرية ومناطقية، يعتقدون بأن مصلحة العشيرة والمنطقة مقدمة على مصلحة الدولة.
إن توافقنا على ذلك، فسنكون بدأنا عبور الطريق الصحيحة، ووقتها لن نكون بحاجة إلى مبادرات من هنا وهناك، تأتي من أشخاص جلسوا عشرات الأعوام على مقاعد الوزراء وتحت القبة مشرعين، ولم ينتج عنهم ما يؤشر يوما إلى نية إصلاحية أو الخروج بفكر إصلاحي.
إذن، لماذا نبقى نجترح الخطط وطريقنا واضحة؟ ولماذا نجرب المجرب؟ ونمنح فرصا لشخصيات معروفة ببعدها عن الإصلاح، واقترابها من معسكر المحافظين، ونحن نعرف أن ذلك لن يفيد كثيرا، بل سيسهم في إضاعة وقتنا وهدفنا في آن، فقضيتنا الإصلاحية جد واضحة، وليست بحاجة إلى اجتهادات ومناظرات، وإنما نحن بحاجة إلى جواب صريح وواقعي، لا مواربة فيه.
طريق الإصلاح ليست بحاجة إلى مبادرات وجلسات ومشاورات وتسويق، وما إلى ذلك من مواضيع تؤطر للمماطلة، وإنما المطلوب ذهابنا، حكومة وأفرادا، ومؤسسات مجتمع مدني وبرلمان، باستقامة نحو هدفنا، والإيمان بأهمية تمثيل الأحزاب في البرلمان المقبل، وتعبيد الطريق لحكومات برلمانية مستقبلية عبر صناديق الاقتراع.
أما إن كنا نريد إضاعة الوقت و"الالتهاء" بالجوانب والأطراف، وترك الجوهر والتسويف، فإن هناك فعلا ساسة كثرا يتقنون تلك اللعبة، وهم أساتذه في إضاعة الوقت.
ولكن سيبقى السؤال الأهم أمام كل ذلك: أين مصلحة الأردن، الدولة والشعب والحكم؟ هل من مصلحتنا إضاعة الوقت في قضايا جانبية، أم علينا الذهاب إلى هدفنا؟
فالإصلاح بما يحمله من معان سامية يؤطر للدولة المدنية الحديثة.. الدولة التي تغيب في ثناياها كل المعتقدات الشوفونية الضيقة، لتصبح عبارة عن قوانين حاكمة وناظمة للحياة، لا تفريق فيها بين طرف وآخر إلا بحكم القانون، وقتها يمكن لنا مواصلة البناء لأن الجميع تحت سقف القانون، ولن يظلم شخص لأن عشيرته صغيرة ولم تناصره، أو يغض النظر عن آخر لأن عشيرته كبيرة ويحسب حسابها، فالقانون هو الحكم والفيصل، والدولة هي عشيرة جميع أفراد المجتمع، غنيهم وفقيرهم.
لماذا لا نسير في طريق الإصلاح دون إضاعة الوقت، وننقل الأردن الدولة إلى مطارح أرحب، ولا نبقى نحرث في البحر وندور حول الشجرة؟

[email protected]