على حساب حق الاختيار: "أول عريس".. خيار تفرضه العائلة والمجتمع

على حساب حق الاختيار: "أول عريس".. خيار تفرضه العائلة والمجتمع
على حساب حق الاختيار: "أول عريس".. خيار تفرضه العائلة والمجتمع
رشا كناكرية عمان- وقعت دلال (31 عاما) تحت ضغط الرضوخ لرأي عائلتها والمحيطين بها بأن توافق على أول "عريس" طرق باب البيت، نظراً لمواصفاته المناسبة وامتلاكه مقومات الزوج الناجح. ومع تقدم دلال عن العمر الطبيعي للزواج، بحسب رأي أفراد عائلتها، كان عليها أن تكون شاكرة لأن هنالك من يرغب بطلب يدها. تمت الخطبة والزواج خلال شهرين فقط، تقول دلال "لا أعرف كيف أصبحت زوجة بهذه السرعة؟ وكيف كانت لكلمتي "أنا موافقة" هذه التبعات السريعة التي لم أتوقعها". وتشرح بأن الصدمة الكبرى كانت عندما اكتشفت الفجوة الفكرية بينهما، باختلاف النظرة للحياة الزوجية التي تعدها قائمة على الاحترام والمودة، فبنظره قائمة على الالتزام وتلبية الاحتياجات فقط. وتقول "لا أنكر أني أعيش حياة صعبة الآن لا وجود للاحترام فيها، وحتى شكواي لعائلتي لم تعد مسموعة فالرد دائما بأن أصبر وأرضى بالواقع الحالي فلن أجد شخصاً أفضل منه وكأني خرجت من ضغط تأخر الزواج إلى زواج لا أعلم هل سينجح أم سيفشل؟". يقف العديد من الشباب والفتيات حائرين أمام خطوة مشروع الزواج، وسط ضغوطات عائلية ومجتمعية. ولعل السؤال الذي يشغل بالهم هل هو نصيب أم اختيار؟ وإن كانت اختياراً فكيف أختار؟

معايير الاختيار

اختيار شريك الحياة أمر صعب، لذلك على الشخص المقبل على الزواج أن يدرك مقاصده وأهميته وأن يتحلى بالوعي والنضج الفكري الكافي الذي يجعله يعرف ما يريد من هذه العلاقة، فهناك الكثير منهم لا يعرف الأسس التي عليه اتباعها لاختيار الشريك المناسب. غادة (25 عاما)، لم ترضخ للضغوطات العائلية، أدركت ضرورة التأني قبل الاختيار، وعليه قررت عندما تقدم شاب لخطبتها ورأت به الصفات المناسبة بأن تتعرف عليه أكثر. وأخبرت عائلتها أنها تريد أن تقابله في تجمعات بين العائلتين، وأن تتطلع أكثر على أفكاره وطريقة تعامله مع الأمور ونظرته للمواضيع المختلفة، ووافقت العائلتان على ذلك. وبعد لقاءات ونقاشات عديدة، وجدت أن هنالك بعض الصفات في شخصية الشاب لا تناسبها وتتعارض مع تفكيرها تماماً، إذ كان قرارها أن تنهي الموضوع قبل بدايته، فهي تبحث عن الشخص المناسب الذي تتوافق أفكارها ومبادئها معه. الاستشاري الأسري والاجتماعي الدكتور مفيد سرحان، يؤكد أن الاختيار ينبغي أن يكون على أسس سليمة وصحيحة، والأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى نجاح الزواج واستقرار الأسرة وديمومتها وتحقيقها لأهدافه. ومن أهم أسس الاختيار إيمان الطرف الآخر بأهمية الزواج وبناء الأسرة، والاتصاف بالأخلاق الحسنة والالتزام الديني الواعي، كما أن التقارب الفكري وفي مستوى الوعي والتقارب الاجتماعي يسهم في زيادة درجة الانسجام والتفاهم، وفق سرحان. ويؤكد أنه من الأسس المهمة إيمان الطرفين أن العلاقة الناجحة بينهما تقوم على تكامل الأدوار لا على التنافس والصراع، وكذلك القدرة على التسامح، لأن الحياة الزوجية بحاجة إلى قدر كبير من التسامح بين الزوجين فهي صفة بحاجة الى استعداد وإدراك لأهمية الأسرة والقدرة على إدارة المشكلات والخلافات. ويعتقد سرحان أنه في كثير من الحالات يكون تقارب المستوى التعليمي للطرفين عاملا مساعدا في زيادة درجة التفاهم، وكذلك القدرة على تحمل المسؤولية سواء المالية للشاب والاجتماعية للطرفين. إضافة إلى القدرة على إدارة شؤون الأسرة وهي مسؤولية مشتركة، فضلا عن القدرة على الحوار والنقاش والإنصات وتبادل الآراء. ومن جهة أخرى، يبين سرحان "أن مجتمعاتنا تتميز بدرجة كبيرة من الترابط الاجتماعي، سواء داخل الأسرة الواحدة أو بين أسرتي الزوجين. وهي عنصر قوة للمجتمع وتسهم في زيادة أواصر الألفة والمحبة والتكافل والتعاون، ويمكن أن تسهم في التقليل من المشكلات وحلها". ويلفت إلى أن اختيار الشاب للزوجة حق له، واختيار الفتاة للزوج حق لها، باعتبار أن كليهما من يتحمل مسؤولية هذا الاختيار، شريطة أن يتوافر لديهما الوعي والقدرة على حسن الاختيار المنبثق عن إدراك أهمية الزواج وبناء الأسرة.

ضغوطات نفسية

وهنالك كثير من حالات الضغط على الأبناء والبنات لاتخاذ قرار الزواج، وفق سرحان، وهنا القدرة على الإقناع عامل مهم في التأثير في الآباء والأمهات للتغيير من آرائهم بالنظر الى عاطفة الآباء والأمهات. وحرصهم على سعادة الأبناء، وفي حال عدم القدرة على ذلك يمكن الاستعانة ببعض الأقارب أو المقربين من الأصدقاء للحوار مع الآباء لإيصال وجهة نظر الأبناء. ويضيف "كلما كانت ثقة الآباء بالأبناء، وابتعادهم عن السلوكيات الخاطئة، تكون ثقة الآباء بقدرات الأبناء واختياراتهم أكبر ومنها قراراتهم باختيار الطرف الآخر". وينوه سرحان إلى أنه في حالة الفتاة العاملة تكون أهمية التفاهم قبل الزواج حول قبولها بالمساهمة والتعاون في الأمور المالية وإدارة المنزل، مع إدراك الشاب باستقلالية الذمة المالية للزوجة باعتبارها "غير مجبرة" على الإنفاق على الأسرة،. وهنا تأتي أهمية التعاون بين الطرفين الذي تفرضه طبيعة الظروف الاقتصادية، وهذا يتطلب موافقة الزوجة على المساهمة في الإنفاق طواعية دون إجبار. ومن جانب آخر، يعاني المجتمع الأردني ارتفاع سن الزواج لدى الجنسين، بمعدل سن الزواج بالنسبة للذكور يقارب الثلاثين عاما، والنسبة للإناث يقارب الثمانية وعشرين عاما. كما أشارت دراسة سابقة لجمعية العفاف الخيرية الى وجود أكثر من مائة وعشرين ألف فتاة تجاوزت أعمارهن الثلاثين عاما ولم يسبق لهن الزواج، وأسباب ذلك متعددة منها اقتصادية واجتماعية وأخرى، فرضها ارتفاع نسب التعليم العالي للجنسين والنظرة الى أهمية الزواج. ويؤكد سرحان أن لتأخر سن الزواج آثار سلبية بالشاب والفتاة والمجتمع عموما، فمنها آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية، وسن الزواج له علاقة بالإنجاب، مضيفا أنه لطبيعة المجتمع ونظرته الى الزواج، فإن تقدم الفتاة في العمر يقلل من فرصتها في الزواج، أو على الأقل يقلل من فرصتها في اختيار من تعتقد توافر جميع الصفات المرغوبة فيه. ويضيف "كذلك بالنسبة للشاب وإن بنسبة أقل"، منوها إلى ضرورة توفر الوعي عند الشباب والفتيات بأهمية الزواج وبناء الأسرة، إضافة إلى تعاون المجتمع لتقليل تكاليف الزواج الذي يسهم في زواج الشباب والفتيات في سن مناسبة من النواحي الصحية والاجتماعية. ويذكر سرحان أن من الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون البحث عن النموذج المثالي للطرف الآخر، والاعتقاد أن ذلك يحقق لهم السعادة، والكثير منهم من أدرك متأخرا أنه فوت أكثر من فرصة للزواج بسبب النظرة المثالية والبحث عن الكمال. ويعتقد سرحان أن المقارنة قد تكون صعبة بين خيار الاستمرار في عدم الزواج أو الزواج من شخص لا تتوافر فيه جميع الصفات المرغوبة -بغض النظر عن واقعيتها- خصوصا عند زواج جميع الإخوة والأخوات ووفاة الوالدين، وقد يلجأ إلى اختيار غير مناسب "كلما قلت مساحة الخيارات كان الاختيار أكثر صعوبة". ويذهب اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، إلى أن هنالك أساسيات مهمة لاختيار الشريك المناسب؛ أولها العاطفي، لكن لا يكون ذلك بكثير من الأحيان صحيحاً، فبعد فترة من الزواج قد تكتشف حقائق جديدة عن الطرف الآخر، فهي مبنية على العواطف، وبالتالي ما يلفت انتباه الطرفين بداية ما يسمى "الميل القلبي"، وهذا الميل قد لا يقدم لك الحقيقة كاملة تجاه الطرف الآخر. ويضيف الغزو أن الأساس الثاني هو المنطقي العقلاني، "فنحن الآن في زمن الأمور فيه متداخلة الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية"؛ لذلك لابد من دراسة الجوانب كافة، وأن لا نغفل عن الفكر الاجتماعي، والجانب الاقتصادي، فهو السبب الأساسي للمشاكل الزوجية التي تحصل في وقتنا الحاضر. ويعتقد الغزو أن أساس الاختيار ينبغي أن يكون فيه جزء عاطفي، ولكن الاعتماد أكثر على العقلانية والمنطق الذي ينظر إلى فكر الطرف الآخر والنضج العقلي لديه، من حيث حياته الاجتماعية والبيئة والتربية، فهي تلعب دورا كبيرا في سلوكيات الطرف الآخر، وعليه فإن تحكيم العقل واختيار الشخص المناسب، بعيد عن الانجرار وراء العاطفة ينجي من المشاكل المستقبلية. ويعتقد الغزو أنه في الوقت الحالي هنالك عدد من الأهالي يدركون أن الضغط لا يأتي بنتيجة، نظرا للتقدم الفكري ومعرفة أهمية الاختيار الصحيح للطرف الآخر؛ للابتعاد عن المشاكل في المستقبل، وليكون الشخص مسؤولا عن قراره، وإذا حصل ضغط فإن تأثيره النفسي سيكون كبيرا، وإذا تعرضت الفتاة لهذا النوع من الضغط لأن الأهل قد تحكمهم بعض المصالح سواء المكانة الاجتماعية أو الحالة الاقتصادية للشاب والإغفال عن الجانب الأخلاقي، فإن ذلك سيؤثر في حياتها ومستقبلها فيما بعد. ويوضح "هنا قد تشعر الفتاة بنوع من الظلم، فعليها فتح قنوات اتصال مع عائلتها سواء والدتها أو أخواتها لتوضيح فكرتها ورأيها وتتجنب الوقوع في مشاكل زوجية في المستقبل قد تؤدي للطلاق". ويضيف "هنالك أسباب كافية للتأخر في الزواج، أحدها التكاليف الباهظة للزواج والوضع الاقتصادي في الأردن، وهذا ينعكس على الطرف الآخر "الفتاة" فهي ترسم في مخيلتها أحلاما وخيالات وطموحا عاليا لهذا الحلم وترفع سقف التوقعات تجاه الطرف الآخر الذي قد يصطدم بواقع الشاب الأردني الذي لا تتوفر عنده جميع هذه المتطلبات". وكان قاضي القضاة الدكتور عبدالحافظ الربطة، قد كشف عن انخفاض نسبة الطلاق في الأردن من 6,8 الى 5 بالمائة العام 2020. وأشار إلى انخفاض عدد حالات الطلاق الكلي من 28013 حالة طلاق العام 2019 بمختلف أنواعه وصوره الى 22780 حالة العام 2020 بواقع 5233 حالة انخفاض. ونوه إلى أن انخفاض نسبة حالات الطلاق للزيجات لم تستمر لأكثر من عام واحد من 6.8 % العام 2020 الى ما نسبته 5 % من مجمل عقود الزواج للعام ذاته.اضافة اعلان