غرناطة شمس العرب حين سطعت في سماء الاندلس

غرناطة شمس العرب حين سطعت في سماء الاندلس
غرناطة شمس العرب حين سطعت في سماء الاندلس

 

   غرناطة اجمل مدن الدنيا, وواحدة من المدن التي لم تعرف العظمة الا بعد ان حكمها العرب, مدينة تقع على بعد (267) ميلا جنوب مدريد (عاصمة إسبانيا حاليا). وهي إحدى ولايات الجنوب الإسباني وتطل على البحر المتوسط من الجنوب وتطل على نهر شنيل وبساتين قصور الحمراء وتلها العالي. وترتفع (669) مترا فوق سطح البحر مما جعل مناخها غاية في اللطف والجمال. ومنه اشتق اسمها، حيث تعني كلمة غرناطة عند عجم الأندلس "رمتنة" وذلك لحسنها وجمالها.

اضافة اعلان


نبذة تاريخية


    أسست مدينة غرناطة في موضع مدينة رومانية صغيرة تعرف باسم "أليبيري". وطوال التاريخ الروماني بأسره لم يكن لهذه المدينة ذكر كبير. ويرجع ازدهار المدينة وعظمتها إلى أسرة "بني الأحمر" بعد أن دخلها محمد بن يوسف بن نصر استجابة لدعوة أهلها عام 635هـ / 1238 م لحمايتهم من الصليبيين. ومنذ ذلك الحين أصبحت غرناطة عاصمة لمملكة بني الأحمر.


     وبعد أن استوطن" بنو الأحمر" بها أخذوا يبحثون عن مكان مناسب تتوفر لهم به القوة والمنعة فاستقر بهم المطاف عند موقع الحمراء في الشمال الشرقي من غرناطة. وفي هذا المكان المرتفع وضع أساس حصنهم الجديد "قصبة الحمراء". ولكي يوفر له الماء أقيم سد على نهر "حدرة" شمالي التل شيدت عليه القلعة ومنه تؤخذ المياه وترفع إلى الحصن بواسطة السواقي. واتخذ بنو الأحمر من هذا القصر مركزا لملكهم وأنشؤوا فيه عددا من الأبراج المنيعة وأقاموا سورا ضخما يمتد حتى مستوى الهضبة.


      ولقد كانت الحمراء قلعة متواضعة في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. ولكن عندما تولى" باديس بن حبوس" زعيم البربر غرناطة اتخذها قاعدة لملكه وأنشأ سورا ضخما حول التل الذي تقع عليه وبني في داخله قصبة جعلها مركزا لحكمه وقد تطورت مع الزمن وأصبحت حصن غرناطة المنيع.
       وكان عهد السلطان يوسف الأول وولده محمد الخامس هو العصر الذهبي لعمليات الإنشاء والتشييد في قصر الحمراء ففي عهد الأول: أقيم السور الذي يحيط بالحمراء بأبراجه وبواقيه العظيمة المعروفة بباب الشريعة أو العدل وغير ذلك من الأبراج والقصور والحمامات. ثم قام ابنه بإصلاح ما بدأه أبوه وإتمامه ثم قام بتشييد مجموعة قصر السباع وقاعة الملوك أو العدل وغيرها.


        وقد حصن "بنو الأحمر" غرناطة تحصينا منيعا واستطاعوا أن يصدوا هجمات الصليبين، وظلت المدينة حصنا شامخا ومعقلا للإسلام في بلاد الأندلس مدة تزيد على المائتين والستين سنة حتى سقطت في قبضة الجيوش النصرانية عام 897هـ / 1492 م وبسقوط غرناطة انتهى آخر مظهر من مظاهر السيادة الإسلامية.


المعالم الحضارية


تتمتع غرناطة بالعديد من المعالم الحضارية التي ما تزال معظم آثارها باقية حتى اليوم.


القصور: انتشرت بغرناطة القصور الفارهة التي تعد سمة مميزة للمدينة. ويعد قصر الحمراء واحد من أروع القصور في تاريخ العمارة الإسلامية، كما يعد من أعظم الآثار الأندلسية الباقية حتى الآن، بما حواه من بدائع الصنع والفن. وقد زين صناع غرناطة المهرة القصر بأبدع نماذج . فالداخل من المدخل الرئيسي للقصر (باب الشريعة) يجد وراءه قاعة المشورة وهو المكان الذي خصص للموظفين في القصر الذين يعاونون السلطان في إدارة شؤون الدولة وقد تم إنشاؤها عام 766هـ / 1365 م وخلف هذه القاعة مصلى لا يزال يحتفظ بمحرابه الجميل. وفي القسم الثاني من القصر والذي كان يعرف بـ (الديوان) توجد ساحة البركة وقاعة البركة وقاعة العرش وقاعة السفراء وهذا القسم ما يزال يحتفظ بمظهره القديم إلى حد كبير.


     وهناك بهو" الأسود" وهو واحد من أروع أجنحة القصر. وهذا البهو عبارة عن فناء يحيط به ممر ومن حوله القاعات والغرف وفي وسطه نافورة لاثني عشر أسدا يرتفع كل منها قدمين ونصفا، وقد أنشأ هذا البهو السلطان محمد الغني بالله الذي تولى السلطنة عام 755هـ / 1354 م. وبالقرب من هذا البهو نجد قاعة الأختين التي تعلوها قبة جميلة تزينها الزخارف الملونة وقد سميت القاعة بهذا الاسم لأن أرضها تحتوي على قطعتين من الرخام نقش عند مدخلها بالخط الكوفي (ولا غالب إلا الله). والقصر مزخرف بزخارف هائلة متناسقة بشكل خفيف  يسر الناظرين. أما الحجرات فقد كسيت بحشوات جصية تبدو كالسجاجيد وقد اشتملت على وحدات زخرفية نباتية غاية في الروعة والجمال.


     ويرجح أن سبب تسميته "الحمراء" هو لون حجارتها الضارب للحمرة. والحمراء عبارة عن مجموعة أبنية محاطة بأسوار طولها (740) مترا وعرضها (200) متر تقع على ربوة عالية تسمى" السبيكة" في الجانب الشمالي الشرقي من مدينة غرناطة. وهذه الأبنية على ثلاثة أقسام: القسم العسكري ويقع شمال شرقي القصر وهو عبارة عن قلعة تحرس الحمراء ولها برجان عظيمان، ثم القصر الملكي في الوسط ثم الحمراء العليا المخصصة للخدم. وللحمراء عدة أبواب أهمها باب الشريعة، وباب السلاح، وباب الحديد.


      وبالقرب من قصر الحمراء يوجد قصر "جنة العريف" الذي شيد في أواخر القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي ويقع شمال شرقي قصر الحمراء فوق ربوة مستقلة وتظهر من ورائه جبال الثلج. وقد غرست في ساحات القصر وأفنيته الرياحين والزهور فائقة الجمال حتى أصبح هذا القصر المثل المضروب في الظل الممدود والماء المسكوب والنسيم العليل وقد اتخذه ملوك غرناطة منتزها للراحة والاستجمام.


      ومن معالم غرناطة قصر" شنيل" أو قصر السيد الذي يرجع تاريخه إلى زمن الأمير أبي إسحاق بن الخليفة ابن أبي يعقوب بن يوسف وقد اتخذ قصرا للضيافة في عهد بني نصر ويقع على الضفة اليسرى لنهر شنيل.


       "البيمارستانات": تميزت غرناطة بعدد من "البيمارستانات" على غرار تلك الموجودة في المشرق العربي. فكان هناك "بيمارستان" المدينة الذي عرف "ببيمارستان" غرناطة وأنشأه محمد بن يوسف بن إسماعيل بن نصر، الذي تولى الملك بعد وفاة أبيه في عام 755هـ / 1354 م، وهو عبارة عن فناء أوسط تحيط به أروقة من "بائكات" ذات عقود مدببة في الطابق الأرضي وأعتاب خشبية في الطابق الأول. وكانت حجراته تفتح على الممرات التي تتقدمها كذلك امتازت واجهته بالتماثل والانسجام سواء من حيث زخارفها الفنية أو من حيث اشتمالها على النص التأسيسي "للبيمارستان" وكان يوجد في الطابق الأول نوافذ مفردة أو مزدوجة.


        و"البيمارستان" في مظهره أبسط من معاصره البيمارستان المنصوري ففي وجهته بعض النوافذ وفيها أقواس مزدوجة وفي الوسط باب وأسكفة يعلوهما كتابة تشبه أشرعة الفلك. ويدخل من الباب إلى ردهة مربعة الزوايا مستطيلة وفي وسطها حوض فيه أسدان جاثيان يشبهان مثيليهما في قصر الحمراء وينبع منهما الماء. وحول الردهة أربعة أروقة ينفتح فيها أبواب طويلة ذات انحناء على شكل نعل الفرسقد. وقد حول هذا المارستان إلى دار ضرب بعد سقوط غرناطة وحدثت به تغييرات مرات عديدة وتهدم ثلاثة أرباعه. كما كان هناك أيضا البيمارستان الذي أنشأه السلطان أبو عبد الله محمد بن المولى عام 767هـ / 1366 م، ووقف عليه الأوقاف.


         المساجد: يعد مسجد غرناطة من أبدع الجوامع وأحسنها منظرا، حيث لا يلاصقه بناء. ومؤسس هذا المسجد الجامع محمد الثالث، وقد أقام سقفه على أعمدة حسان والماء يجري داخله، شيدت على أنقاضه كنيسة سانت ماريا، وإلى جانب المسجد الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من المساجد في الأحياء المختلفة.


واشتهرت مساجد غرناطة باستخدام الرخام كما عرفت بتجميل صحونها بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها صحن المسجد وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة وتتكون من طابقين ويحيط بها سور يزين أعلاه بكرات معدنية مختلفة.


وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بني نصر - الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنسية هي كنيسة سان خوان دي لوس ريس، والثاني ببلدة (رندة) التي تحول مسجدها إلى كنيسة باسم سان سباستيان.


        الحمامات: يوجد من الآثار الباقية بالمدينة حمام واحد يقع في شارع" كاليه" ريال ويعرف بـالحمام الصغير، يتكون من حجرة للاستراحة وخلع الملابس (تعرف عادة بالمسلخ أو المشلخ)، ويتوسط هذه الحجرة حوض (نافورة)، ويلي هذه الحجرة ثلاث حجرات مقبية موازية لبعضها هي بالترتيب: الباردة والحجرة الدافئة والحجرة الساخنة. وقد بنيت جدران الحمام من الحجارة القوية شديدة الصلابة أما العقود والأقبية فمن "الآجر".


المكانة العلمية


        كانت غرناطة مركزا إسلاميا علميا كبيرا، فهي واحدة من حلقات الحضارة الإسلامية في الأندلس مع المدن الأخرى مثل قرطبة وبلنسية، ومجريط، إشبيلية و طليطلة وغيرها. وقد انتشرت في غرناطة العديد من المدارس التي درس وحاضر فيها العديد من العلماء والأدباء المشهورين.


          المدارس: كانت غرناطة قبلة الأنظار للطلاب الذين يفدون من الأقطار المجاورة الإسلامية منها وغير الإسلامية. إذ عرفت بها المدرسة اليوسفية التي أنشئت عام 750هـ / 1349 م وقد سميت هكذا نسبة إلى مؤسسها يوسف الأول، كما عرفت بالمدرسة العلمية والمدرسة النصرية. وقد بدأت كمركز للعلوم الدينية واللسانية وفيما بعد أصبحت تهتم بأكثر أنواع العلوم المعروفة آنذاك، وقصدها الطلاب من المناطق  كافة. وقد نالت شهرة واسعة مما جعل أبناء المغرب، طلابا ومعلمين، يفدون للانتساب إليها، ومن علماء المغرب الذين درسوا في اليوسفية الفقيه ابن مرزوق والكاتب عبد القادر بن سوار المغربي وسواهما.


وقد تهدمت المدرسة اليوسفية كليا بين عامي 1134- 1141هـ / 1722 -1729م، ولم يبق منها اليوم إلا قاعة الصلاة، وتقع في الجهة المقابلة لكاتدرائية غرناطة. كما عثر على لوحة رخامية نقش عليها تاريخ بناء المدرسة على أيام يوسف الأول، وهي محفوظة في متحف غرناطة الأثري.


       وقد بدأت النهضة العلمية في الأندلس مع الفلكي والرياضي أبي القاسم المجريطي عام 398هـ / 1008 م الذي أنشأ مدرسة رياضية فكان له أتباع وتلاميذ. وفي مستهل القرن الخامس للهجرة / الحادي عشر عصفت الفتنة المعروفة التي مزقت الأندلس فتفرق تلاميذ المجريطي ولجأ بعضهم إلى طليطلة حيث تمتعوا بمركز مميز، خصوصا عندما تسلم عرش قشتالة الملك ألفونس العاشر.


      العلماء: شهد العهد الناصري نهضة شاملة ونبغ عدد من العلماء في جميع حقول المعرفة ومن أشهر علمائها الإمام الشاطبي العالم الأصولي، ولسان الدين الخطيب الفيلسوف، والسرقسطي اللغوي، وابن زمرك الشاعر، ومحمد بن الرقاح المرسي الذي اشتغل بالهندسة والرياضيات، ومارس الطب في غرناطة. وقد نبغ فيها من الفلكيين أبو يحيى بن رضوان الوادي آشي، وأبو عبد الله الفحام المعروف بأبي خريطة.


       أما الأطباء فقد كثر عددهم واشتهر بعضهم في المشرق والمغرب، ومن الأطباء المشهورين محمد بن إبراهيم الأنصاري المعروف بابن السراج الذي عاش في بلاط بني الأحمر فكان طبيب محمد الثاني الخاص، كما اشتهر بعمل الخير إذ كان يداوي الفقراء مجانا ويفرق أمواله على المحتاجين. وهناك الكاتب والطبيب يحيى بن هزيل التجيبي الذي كان أستاذ ابن الخطيب، ومحمد الشقوري الذي كان طبيب دار الإمارة أيام يوسف الأول. كما ينسب إليها أيضا ابن زهر في الطب. كما نبغ من نساء غرناطة الكثيرات منهن حفصة بنت الحاج، وحمدونة بنت زياد، وأختها زينب وغيرهن كثيرات.


     وفي قصر الحمراء كان الإقبال على العلم شديدا من قبل أبناء البيت المالك، فأولاد يوسف الأول تأدبوا على يد رضوان الذي أصبح فيما بعد وزيرا. كما تلقى إسماعيل الثاني علومه بإشراف عباد وهو من الأرقاء النصارى، أعتق بعد ما تقبل الإسلام، وعين محمد الخامس تلميذ ابن الخطيب أبا عبد الله الشريشي مؤدبا لأولاده.