قواعد لتعميق العلاقات الأسرية

عبد العزيز الخضراء*

عمان- لعل من أهم العلاقات التي تمهد لسبل التفاهم الحقيقي بين أفراد الأسرة، شعور كل طرف باحترامه للطرف الآخر، مما يؤدي إلى شيوع جو من الأمان والطمأنينة في أركان البيت، وتطوى الخلافات بين الأفراد فور نشوبها.اضافة اعلان
وهنالك أسس وقواعد تعمق العلاقات الأسرية وتغذيها بشكل إيجابي؛ وهي:   
- تدريب الأبناء على احترام والديهم: علاقة الابن بوالديه تشكل الأساس الذي سيبنى عليه تصرفه تجاه جميع الناس،  وأن نظرته إلى سلطتهما تغدو حجر الزاوية لنظرته اللاحقة إلى سلطة المدرسة والقانون. مروراً بالذين سيعمل ويعيش معهم أخيراً، وانتهاء بالمجتمع كله بوجه عام، فالعلاقة الأبوية البنيوية هي أول وأهم اختلاط اجتماعي يعرفه الطفل، والأخطاء والعقد التي تنتاب ذلك الاختلاط تُرى غالباً في العلاقات الاجتماعية فيما بعد.
ويجب الحفاظ على احترام الأبوين لسبب آخر لا يقل أهمية وهو؛ إن كنت تريد أن يتبنى ابنك ما لديك من قيم عند بلوغه عقده الثاني، فمن الضروري أن تكون خليقاً باحترامه وهو بعد صغير.
أما إذا تمكن الولد من أن يتحدى والديه في سنينه الخمس عشرة الأولى، ويضحك في وجهيهما، ويعاند مستخفاً بسلطتهما، فإنه يعتاد على احتقارهما وكأن الأمر طبيعي جداً.
ولا فائدة من الاحترام إن جاء من جانب واحد، فلا تنتظر الأم أن يعاملها ابنها باعتبار معين إن كانت هي لا تبادله بالمثل، عليها أن تظهر احترامها له أمام زملائه فتلاطفه ولا تحقره ولا تحرجه.
- الحب والحزم متلازمان: إن بعض الآباء يعاملون أولادهم معاملة لا تنطوي على الحب والحنان، أو ربما هم بطباعهم لا يعرفون كيف ينقلون عواطفهم لأولادهم ليشعرونهم بمحبتهم، وبعض الآباء لا يمنحون أولادهم الوقت الكافي للإصغاء إلى مشاهداتهم ومشاكلهم، بل يصدونهم عن الكلام، ويطلبون منهم الانتباه لواجباتهم المدرسية واستذكار دروسهم.
ولعل هذا هو المبدأ السائد لدى معظم الأسر التي تجتزئ من التعامل مع الأولاد جانباً وتترك الجانب الآخر، والأهم هو الجانب المتمثل بالحب وإبداء التعاطف.
فإذا أردنا لأولادنا تربية متكاملة وسليمة ناجحة للذكور والإناث، فلا بد من إبداء الحب لهم من جهة، وإبداء الحزم في معاملتهم من جهة أخرى، فخطأ أن نأخذ بالحزم ونترك الحب. أو نأخذ بالحب ونترك الحزم، كلاهما عاملان متلازمان ولا يفترقان، والأخذ بأحدهما لا يسمح بتحقيق شخصية متكاملة. كما ويجب التفريق بين الرغبة والحاجة للطفل، فالرغبة هي ميل عاطفي نحو القيام بنشاط ما، أو الحصول على شيء ما؛ كرغبة الطفل في شراء حاجة تفوق إمكانيات الأسرة، أما التعلم فهو حاجة، والتعاون مع الأسرة حاجة والنظافة حاجة، فإذا تواكبت الرغبات مع الحاجات عُزِّزت، وإذا تعارضت، فمن واجب الآباء مصادرة تلك الرغبات والحيلولة دون إشباعها.
والاستمرار في تحقيق الرغبات على حساب الحاجات يخلق إنساناً أنانياً غير مقدر للظروف، همُّه تحقيق رغباته ولو على حساب أبويه أو إخوته أو أصدقائه.
- متى نقول "لا" لأطفالنا؟: يتفق خبراء التربية على أن الاستجابة لبكاء الطفل في السنة الأولى من عمر الوليد ودفعه وملاعبته، إنما هي تكييف لمدارك الطفل، التي لا بد أن نرعاها كلما احتاج لها فعلاً، فإفساد تربية الطفل لا تُحدثُه الذراعان المفتوحتان دوماً، ولا ابتسامة الحنان المشرقة على ثغر الأم. ولكن أشد ما يخشى أنه إذا أسرف الآباء في تلبية مطالب الطفل الملحة، التي تتجلى بقلة الصبر وسرعة الإحساس بالإحباط والفكر، كلما سمعوا من أحد الوالدين كلمة "لا" .. وسواء أحب الوالدان أم لم يحبا، فإن كلمة "لا" يجب أن تقال حفاظاً على مصلحة الطفل ذاته، والوالدان اللذان لا يتحملان رؤية ولدهما أو ابنتهما يقطبان الجبين ويبكيان أو يتلويان عند سماعهما كلمة "لا" التي لا تروق لهما، عليهما أن يدركا أن الإحباط شيء ضروري للطفل أحياناً، وهو بين حين وآخر حيوي لتطوير الطفل الذي يجب عليه أن يفهم بأن الحياة أخذ وعطاء، ولن تكون أخذاً على الدوام، لأن هذا يولد الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية، ويؤدي إلى الفشل في الحياة العامة، والطفل الذي يصمد لمشاعر الإحباط يتعلم كيف يواجه مطالب الحياة وتحدياتها في المستقبل.
إنه من المناسب أن يفكر الوالدان في الطلب أو الموقف إذا كان يستحق "لا" أو "نعم"، فحرمان الطفل من إكمال صورة يرسمها بسبب دخول وقت النوم، لن يكون إحباطاً، ويجب أن تقول له الأم "لا" فهناك متسع من الوقت لإكمالها في وقت لاحق. وإذا استأذنك صغيرك في موضوع لم تجدِ فيه مانعاً من تجاوز قوانين البيت المتعبة؛ كمشاهدة بث تلفزيوني يفيده، أو مشاركة في عيد ميلاد صديقه، أو مشاركة فريقه في لعبة كرة، فسوف تكون استجابتك لطلبه توطيدا لعلاقة تواصلكما، وتدعيما لشخصيته، بحيث يُعطى الفرصة أن يمارس الأمور التي يراها مناسبة وأنها تفيده ولا تضره.
ولا مانع أن يعيد الوالدان تفكيرهما في موقفهما، إذا وجدا أن الموقف يستوجب كلمة "لا" شريطة أن لا يكون هذا دليلاً على الخضوع، بل على الاقتناع بصحة الموقف على أن لا يتكرر هذا الموقف كثيراً، حتى لا يصبح تردداً، في المواقف التي يزدريها الطفل، ويصر معها على تنفيذ رغبته، وإذا كانت الأم مترددة في قرارها بسبب عدم وضوح نتائجه أمامها، فلا تتسرع في قول كلمة "لا" بل تقول: "سأفكر في الأمر وأرد عليك".

كاتب وباحث تربوي