كيف نواسي المقربين من دون اقتحام "مساحتهم" الخاصة؟!

Untitled-1
Untitled-1

ديمة محبوبة

عمان– أحيانا، تحمل طريقة التعبير عن مشاعر الاهتمام والحب والمواساة لأشخاص مقربين، نتائج سلبية، وتكون في غير مكانها، ربما لعدم إدراك الكثيرين كيفية استخدام الطريقة المناسبة لإخراج الشخص من حزنه وألمه، فيكون الحرص المبالغ به سببا في مضايقة الشخص وانزعاجه، بل وزيادة عزلته.اضافة اعلان
وعن تجربة شخصية، تقول هالة يونس "تعرضت للكثير من المواقف الصعبة في حياتي الزوجية التي أدت إلى طلاقي وخسارة حضانة طفلي الوحيد، ما أصابني بحالة حزن شديدة، وفضلت الابتعاد عن جميع البشر".
حاول المقربون من الأهل والصديقات إخراج هالة من الحالة الصعبة التي وصلت لها، من خلال زيارتها، والحديث معها عن تجارب آخرين مشابهة لحالتها، وتقديم النصح لها بضرورة الخروج من هذه الحالة وعدم المبالغة بها، لكنها في كل مرة كانت تقول لهم "لست جاهزة ولا أنتظر أي شيء".
تقول "كنت أعرف أن حبهم لي وخوفهم من العيش بحالة من الحزن هو الدافع الأول وراء الاهتمام والإلحاح"، مبينة "لكني كنت أفضل الجلوس وحدي لفترة بعيدا عن مشاركة الآخرين بأي جلسة، فلا أستطيع الضغط على نفسي أكثر واللجوء للمجاملة بالإصغاء للنصائح التي قد تكون في غير محلها".
خبراء في علم النفس بينوا أن "مساحة الحزن في حياة الشخص الذي يعيش في محنة ما يجب أن تأخذ مجراها، ولا يمكن فرض الذات إلا عندما يكون الشخص مهيأ لهذا الفعل حتى لا تكون ردة الفعل معاكسة ويصبح منطويا على ذاته أكثر".
علي خليل يؤكد أن فقدانه لوالده بشكل مفاجئ، خصوصا أنه الابن الأكبر للعائلة، جعله يشعر أن الحياة توقفت، وأن ألوانها غابت وأن طعم الحياة اختلف، كما وصفها.
ويقول "كان لأصدقائي دور في خروجي من هذه الحالة الكئيبة بعد مرور 3 أشهر، فلم أتقبل أي مساعدة وتحملوا الضغط النفسي الذي عشته في بادئ الأمر.. فليال طويلة اجتمعنا دون أي أحاديث.. فقط ينصتون لشكواي واستذكاري لحياة والدي".
وكما يقول، فإنهم لم يضغطوا عليه أبدا، لأنهم على دراية بشخصيته، وهو ما ساعده مع الوقت على الخروج من حالته، ومشاركتهم النشاطات الاجتماعية، ولكن وقع ذلك تدريجيا.
يقول اختصاصي علم النفس د. علي الغزو "إن الحزن والفرح لهما مساحتهما في حياة أي فرد، وعلى المقربين من الفرد الذي يشعر بالحزن لأي ظرف صعب يمر به؛ احترام هذه المساحة".
ويشرح أن الوقت والمكان والظرف والطريقة يجب أن تكون محسوبة عند اقتحام مساحة الحزن، إذ يجد البعض أن الحديث بشكل عام ومواضيع بعيدة عن الموضوع المحزن من الممكن أن تكون سببا في رجوع الشخص وانتكاسته.
وبعض الأفراد يستخدمون أسلوب "التقليل" من حالة الشخص وحزنه أو سبب الفرح، ما يجعل الفرد المعني يأخذ رد فعل معاكسا منهم وينغلق على ذاته أو يقطع علاقته بمن هم بالأساس مقربون منه.
ويرى أن القليل من يحتاج إلى تدخل مستشاري علم النفس بوجود أصدقاء ومقربين حقيقيين يعلمون واجباتهم مقابل الشخص المعني.
ويضيف "أن من يتعرض لحالة حزن يكون أثرها كبيرا عليه، ويكون بحاجة أكبر للخصوصية، ولأشخاص مقربين هو يختارهم، إذ إن معظم الناس الذين يتعرضون لمحن يتفاجأون بأن هناك أشخاصا أكثر قربا ظهروا وكانوا هم الأكثر راحة لنفسيتهم، ويستطيعون أن يتحدثوا معهم بلا تكلف حتى أنهم أخف على الروح ويستقبلون منهم النصح أو حتى العتب أو بعض القسوة محاولة منهم للتقريب من استشفاء روحهم المصابة بالحزن الشديد".
ويطالب بأن يحترم الأفراد قرارات الشخص الحزين وألا يكون هناك تدخل عنوة في حياته إلا إن زادت الحالة وتدهورت صحته، ويتوجب على الأفراد المهتمين به عرض المساعدة المختصة عليه.
اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، يؤكد أن الفرد الحزين إما لفقدان شخص مقرب أو طلاق أو حتى خسارة مالية جميعها مشاكل وآلام تصيب أرواح وقلوب الناس، ومن الطبيعي أن يكون لها أثر سلبي في حياته، فيلجأ البعض إلى هجر الناس وعيش الحالة بعيدا عن أقرب الناس.
لكن يمكن أن يكون للناس المقربين أثر إيجابي في حياة هذا الفرد، لذا يجب أن يكون تدخلا ذكيا، بوقت معقول وطريقة ذكية، وفق جريبيع.
ويشدد على أن الاستخفاف بمشاعر الآخر من باب "تسخيف" الحالة المحزنة والقصد بها المساعدة من الممكن أن يجعل الفرد يلجأ إلى العزلة بشكل أكبر.
وبرأيه، فإن الحزن حالة يجب أن تعاش بكامل تفاصيلها، فهناك حالة من الصدمة وعدم التصديق ومن ثم قبول ما حدث ومن ثم الشفاء، فلا يجب أن يتجاوز الفرد هذه الحالات التي ستساعده على الاستشفاء الذاتي وهو الأهم الذي من الممكن أن يساعد به الأشخاص المقربون حياة هذا الفرد.