ماتس غرق تحت أمواج نزوات ترامب

هآرتس عاموس هارئيل استقالة وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتس تعكس هزة غير عادية، حتى بمفاهيم قطار الجبال المسمى إدارة ترامب. ماتس حتى في أعين معارفه الكثيرين في جهاز الامن الإسرائيلي، يعتبر جزيرة عقلانية واستقرار في الادارة الأميركية. ولكن مع الاقتراب من منتصف فترة ولاية الرئيس، فإن الإدارة الأميركية تتصرف مثل الرجل الذي يقف على رأسها- متقلب، يجد صعوبة في التعامل مع اعتبارات مركبة، وطبقاً لذلك أيضا يصعب التكهن به وخطر على نفسه وعلى محيطه. رسالة الاستقالة ذات الصفحة والربع والتي أرسلها وزير للرئيس شيقة. يشرح ماتس فيها لترامب كما يشرحون لطفل لديه مصاعب معرفية، المبادئ التي توجه السياسة الأميركية في العقود الأخيرة: التزام الولايات المتحدة بقيادة جدول أعمال ديمقراطي عالمي، وإدارة نظام تحالفاتها الحيوية، وخصماها الاستراتيجيان (الصين وروسيا)، ماتس يلخص ذلك بقوله للرئيس- من حقك أن يكون لك وزير دفاع مواقفه قريبة أكثر من مواقفك، في الرسالة ليس هنالك أي كلمة طيبة عن الرجل الذي عينه في هذ الوظيفة. بقدر ما يتحرر الرئيس من خشية المستشارين ومن المستشارين أنفسهم فإنه يعمل طبقاً لغرائزه التي يتفاخر بها. ولهذا القرار كان كما يبدو أيضا اعتبارات سياسية أكثر آنية. التحقيقات ضد الرئيس تتقدم وبعد حوالي شهر سوف يؤدي القسم مجلس نواب مناوئ لترامب، والذي سيصِعِّب عليه تحقيق مبادراته في مجال السياسة الداخلية. ترامب يحتاج إلى خطوة سريعة تصرف أنظار "قاعدته"، النواة الصلبة لناخبيه وتفرحهم. ولكن يبدو أن هؤلاء فقط سيكونون راضين. ظهورٌ قصير أمام وسائل الاعلام، والذي فيه أعلن الرئيس أن داعش قد هزمت تماماً، ثم أشار إلى السماء وأعلن أن الجنود الذين قتلوا في الحرب سوف يفرحون ببشرى الانسحاب، أثار تساؤلات عديدة. والأكثر إثارة للقلق تقرير مفصل نشرته وكالة أسوشيتد برس والذي يقول أن ترامب قرر الانسحاب خلال محادثة تلفونية مع الرئيس التركي أردوغان بعد أن أبلغه الاخير بأن داعش تم طردها من 99% من المناطق التي كانت مسيطرة عليها. في وسائل الاعلام الأميركية عدّدوا ما يقارب 40 شخصية كبيرة في ادارة ترامب استقالت في أقل من سنتين وهو رقم لا سابق له. بدون ماتس، وبدون رئيس هيئة الأركان كيلي ووزير الخارجية السابق تيلرسون، يبدو أن الرئيس سيفقد ما تبقى من القيود والكوابح الأخيرة التي مورست عليه. قريباً من إسرائيل، في الشرق الأوسط، الانسحاب من سورية، واستقالة ماتس تشيران إلى ضعف النفوذ الأميركي في المنطقة، كما أنها تضع محل سخرية إلى حد ما الاطراء الذي وجهه لترامب سياسيون ورجال إعلام إسرائيليون بعد قراراته السابقة، بشأن الهجوم العقابي في سورية، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس. في نفس الوقت، روسيا تفهم الآن، بصورة أشد، أن مكانتها في الشرق الأوسط تعاظمت وأن الأميركان لن يسارعوا في المواجهة معها حول قراراتها المستقبلية بخصوص سورية. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اهتم وبحق بتطوير العلاقات مع رئيس روسيا فلاديمير بوتين، منذ بدء التدخل العسكري لموسكو في سورية في أيلول 2015. هذه العلاقات جلبت منافع لا بأس بها لإسرائيل في السنوات الأخيرة. ولكن التفكير بأن نتنياهو يستطيع أن يناور بين الدولتين العظمتين كما يريد، كان لا أساس له من الصحة. فقط أتباعه الحمقى صدَّقوا ذلك. لدى ترامب تتزايد الآن المصلحة الشخصية (وربما ما يعتبره مصلحة أميركية). بوتين من شأنه أن يسمح باحتكاك محدود بين إسرائيل وإيران في سورية، طالما أن الأمر يعزز مكانة روسيا باعتبارها الوسيط المحتمل الوحيد بين الطرفين ولا يعرض للخطر الفوري مشروعها الاساس في المنطقة الا وهو الحفاظ على نظام الأسد. عدد الجنود الأميركان في سورية كان قليلاً نسبيا- 2000، ومؤخراً تحدثت تقارير عن نية لمضاعفتهم إلى 4000، ولكن ترامب أعلن عن وقف الحرب ضد داعش (بذريعة أن الولايات المتحدة انتصرت) هذا يعني كما يبدو أن الهجمات الجوية ستتوقف تماماً هي أيضا في سورية. وما هو أكثر أهمية من ناحية إسرائيل- هو الإنسحاب من الجيب الأميركي حول قاعدة طنف القريبة من حدود سورية الجنوبية، سيزيل العقبة التي منعت عبورا إيرانيا حرًا في الممر البري ما بين طهران وبيروت. اذا تحولت سورية إلى ساحة لعب لدولة عظمى واحدة، فإن هذا يشكل تحولا مقلقا بالنسبة لإسرائيل. بوتين بعيد عن أن يكون وسيطاً مؤيداً لإسرائيل، وطهران من شأنها أن تفسر انسحاب الأميركان واستقالة ماتس كتطورات مشجعة، والتي ستزيد من حرية عملها في المنطقة. بصورة غير مباشرة، حتى وان كانت موسكو غير راضية عن ذلك، فإن خطر الحرب سوف يتصاعد في 2019. المخاطر لا تقتصر على هذا. كل مقارنة ما بين ترامب ونتنياهو ستكون معطوبة، نظراً إلى أن رئيس الحكومة مجرِّب، مسؤول وحذر بدرجة لا تقدر من الرئيس الأميركي في المسائل الأمنية. ولكن في السنة القادمة سوف تجرى انتخابات في إسرائيل، وقبلها أو خلالها سوف يحسم مصير التحقيقات الجنائية ضد نتنياهو. في جو الانتخابات القريبة والائتلاف الآخذ في الانحلال يزيد تطرف الخطوات المتخذة ضد الفلسطينيين، من هدم بيوت المخربين وحتى مشاريع قرارات خطيرة بطرد عائلاتهم. في الوقت الذي يَحذر فيه نتنياهو قدر استطاعته من مواجهة عسكرية مع حماس، فإن الخطوات في الضفة الغربية من شأنها أن تشعل أخيراً ضجة، بالتحديد في مناطق السلطة الفلسطينية تلك التي تواصل على مضض، الحفاظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل.اضافة اعلان