ما يحتاج إليه العمل الإصلاحي الحكومي والمجتمعي

تكملة لمقالة الأمس عن التشتت في العمل والتنظير الإصلاحي؛ فإن الحكومة تملك فرصة كبيرة للتحالف والشراكة مع المجتمعات بدلا من إضعاف المجتمعات واستدراج العمل والتأثير إلى المتاهة، فالمواطنون يبدون اتجاهات واضحة اليوم لأجل الازدهار والتقدم الاقتصادي والاجتماعي؛ وهو ما يفترض أن الحكومة تعمل لأجله. ما يحتاج إليه العمل الإصلاحي رؤية "اقتصادية ثقافية" بمعنى نهضة اقتصادية تقوم حولها عمليات وعي وحركة ثقافية اجتماعية مؤمنة بهذا البرنامج وتتجمع على أساسه،.. وتشكل هوية ووعيا مجتمعيا، وفي ذلك تنشأ تجمعات سياسية تملك تأثيرا نيابيا وسياسيا ومجتمعيا ونقابيا وفي البلديات والمحافظات يفترض أنها تتحرك وتعمل على أساس هذا الوعي،.. الخطاب الثقافي والإعلامي وحده عن النهضة والتقدم والانتماء والمشاركة والهوية لا ينشئ تجمعا سياسيا اجتماعيا، أو لا يكفي لتحقيق ذلك، والبرنامج الإصلاحي الاقتصادي ليس له قيمة من غير حراك شعبي اجتماعي يؤمن به، ويتحرك لتحقيقه،.. ويناضل ويضحي لأجله. ولدينا في الأردن نموذج تاريخي ناجح يمكن تكراره في اقتصاد اجتماعي قائم على الزراعة والحرف والمهن والمهارات ينشئ مجتمعات وثقافة اجتماعية، ولدينا أيضا بنية أساسية في التعليم والإنجاز التعليمي والقائم أساسا على إقبال مجتمعي وثقافي كبير، صحيح إنه إقبال بحاجة إلى ترشيد ومزيد من النضج والتطوير، ولكن الكتلة الأساسية والعظمى من المشروع قائمة وموجودة، كيف يمكن توظيف حالة التعليم المتقدمة في نهضة اقتصادية وإبداعية وثقافية وفنية منشئة لمجتمعات مستقلة ومتمكنة وقادرة على التأثير والمشاركة، وأحزاب سياسية معبرة بكفاءة عن هذا التشكل وتحوله إلى برنامج سياسي وتحرز على اساسة حصة مؤثرة في مجلس النواب؟ الإصلاح ببساطة هو تصحيح العلاقة بين الموارد العامة وإدارتها على النحو الذي يعيد توزيعها على المواطنين بعدالة وكفاءة ويجددها ويزيدها باستمرار، وينشئ مؤسسات ومنظومات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ناشئة عن هذه العلاقة الصحيحة والعادلة ومستمدة منها، وعلى هذا الأساس يجري إصلاح عمل المكونات الرئيسية للدولة، السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والقطاع الخاص، والمجتمعات، وإصلاح العلاقات بينها على نحو يحقق التوازن والتكامل. وتعكس هذه الرؤية الإصلاحية نفسها في مجموعة من المبادئ والاهداف، العدالة والحرية، والهوية والفكرة الجامعة للمواطنين، وتطوير وتفعيل الخدمات الأساسية في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، والارتقاء بمستوى المعيشة والاحتياجات الأساسية في الصحة والتعليم والغذاء والسكن واللباس، والانتماء والمشاركة، وتمكين المجتمعات والطبقات الوسطى للتشكل والتجمع حول مصالحها وأولوياتها، ولأداء دورها وامتلاكها الفرصة في التنافس العادل والارتقاء وفي إدارة شؤونها وأعمالها، وتطوير المؤسسات المعبرة عنها (الحكم المحلي والبلديات، والنقابات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني) لتعبر عنها وتمثلها بعدالة وأمانة، وتدوير النخب، بمعنى أن يكون الارتقاء في الوظائف والفرص في القطاع العام والخاص والمجتمعات مفتوحا للدخول والخروج على أسس عادلة من التنافس والتقييم والمراجعة، بحيث يرتقي الأفضل، وتطوير وتشجيع الثقافة والفنون على النحو الذي يزيد الموارد ويجددها ويحسن حياة المواطنين، والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، والتوازن العادل والحقيقي في الموارد والتأثير بين المجتمعات والسلطة التنفيذية والقطاع الخاص، وتطوير وتشجيع الأعمال والمهن باعتبارها المورد الأساسي لمعظم المواطنين، ولامتلاك الفرصة في المشاركة في الاقتصاد العالمي القائم على المعرفة، وتطوير الزراعة والمياه والطاقة والصناعات والأعمال والمهن القائمة حولها باعتبارها المورد الأساسي العام للدولة والمواطنين وأساسا للانتماء للدولة والمكان والرواية المنشئة للمجتمعات والدول وأساسا لقيام ونشوء البلدات والتجمعات السكنية، وإنشاء قيم التمدن والانتماء والمشاركة والعلاقات وأساليب الحياة حول الأعمال والمهن والمدن. وعلى أساس هذه المبادئ والظروف المحيطة تنشأ المطالبات والضغوط والأحزاب والجماعات السياسية.اضافة اعلان