معركة البقاء.. رابحون وخاسرون!

الرابح
كنتُ واثقاً أنّي سأنجو.. لم أشك بهذا ولو لساعة خالية من الوقت في الحَجْر المُرفّه الذي وضعتُ فيه. تمّ الاشتباه بإصابتي بفيروس كورونا. لم أجزع، فلستُ صغيراً ولستُ كبيراً، فأنا في الثلاثين، كما ترون، لا شعرة بيضاء في جسدي، وعضلاتي نافرة في الصدر والساعدين. أستطيع الركض كيلومترات لا أحسبها، وفحوص دمي كلها "نورمال"، ومناعتي من الفولاذ، فكيف أخشى وقد شاهدت طبيبة رقيقة على قناة العربية تقول إنّ البقاء للأقوى.اضافة اعلان
لا أشكو الآن سوى من الضجر، (لا داعي للقلق فمنظمة الصحة العالمية لم تصنّف الضجر مرضاً)!. أخطط للسفر عندما تفتح خطوط الطيران إلى امرأة تعرّفت عليها بين ألوان انستغرام. تواصلتُ أيضاً مع مدرّب اللياقة البدنية، لتضخيم العضلات كما تحبّها الشقراء التي تنتظرني. شاهدتُ الجزء الرابع من "البروفيسور"، لكنّ الوقتَ ما يزال مملاً، وخالياً من الفائدة، مثل العام الأول بعد سنّ السبعين.. أفكّر في الذهاب إلى المتجر الكبير، لياقتي ستسعفني لخطف كل ما هو طازج!
الرابح أيضاً
أنا قلق، وفي قلبي شيء من الخوف. أتممتُ قبل شهر الخامسة والأربعين بتردُّد شديد، وحسب دراسات ملقاة على الإنترنت، ما زلتُ في مرحلة الشباب. أو هكذا أريد. أقيمُ في الحَجْر الصحيّ منذ عشرة أيّام. الأطبّاء واثقون أنّي سأنجو، فمناعتي فولاذ وإن كان فيه قليل من اللين، وفي ساعديّ صلابة من سنّ الثلاثين. قالت طبيبة رقيقة على العربيّة إنّ البقاء للأقوى، وابتسامة المذيع الأربعيني الواثقة جعلتني أصدّق أنّي سأنجو، وسأكبر حتى أبلغ السأم.
لما أنجو (والأطبّاء واثقون أنّي سأنجو) سأشكر الله بصلوات قصيرة، وأطلبُ المغفرة عن حماقات صغيرة، وأتبرّع لمستشفى قيد البناء، وخيرٌ كثير يفسده الإجهار. سأمشي في الحياة مثل الخطوات الأولى للخارج من تابوت ومن شبهة الموت. سأحبُّ نساء وأغنيات جديدة، وأكبر بتردُّد، وأستعين على ذلك بفوائد البروكلي، وأجري فحوصات دوريّة، أو نصف دوريّة، كما سأستعيد عضويّتي في النادي الصحّي، وأطحنُ بأسناني القويّة اللوز.. وأبلغ سنّ السأم قادراً على ملء الحياة وقضم التفاح الأخضر!
الخاسر
خسرتُ معركة البقاء. لم أسمع تلك الطبيبة الخشنة تقول إن البقاء للأقوى، ولو سمعتها لقاومتُ شهراً أو يوماً آخر بمناعتي التي لا تصدُّ ولا تردُّ، لكني في النهاية كنتُ سأموتُ، ومتُّ لأني لم أعد أطيق النظرات التي تستعجلني، وترى أني أشغل سريراً يمكن أن ينام عليه شاب في العشرين (ربما تنتظره فتاة شقراء). متُّ أيضاً، ولو نجوتُ لم تكن لياقتي تسمح بالوصول إلى المتجر الكبير قبل أن يفرغ حتى من المواد المسرطنة!
متُّ بكورونا، ليس بالسيف ولا بغيره، بعدما بلغتُ السبعين. مرتادو الأندية الصحية يظنّون أنّي ارتويت من الحياة، وأسناني عادت من لبن خفيف، بالكاد تقوى على مضغ الخبز المبلول.. هل يهمُّ الآن أن أدافع عن حقي بالحياة، وأني كنتُ أخطط لها مثلما تفعل حكومة تسلّمت بيمينها كتاب التكليف. متٌّ وتركتُ سريري وجهاز التنفس الاصطناعي لرجل يخطط للسفر وقتل الضجر، لستُ آسفاً سوى على هذا الوداع البائس.. تخيلوا، يا أيها الناجون، أني متُّ ولم أعرف ما هو رقمي في الحصيلة التي كُتبتْ على الشريط الأحمر.