من هنا نبدأ

إذا استثنينا الدعوة إلى المظاهرات وإسقاط الحكومة، فإن بيان حركة اليسار الاجتماعي للإصلاح يمثل مشروعا يصلح للنقاش والحوار والتطوير أيضا كما طالبت الحركة. فالأزمة القائمة اليوم بالغة العمق والرسوخ، ولا يمكن حلها إلا بمشروع وطني كبير تشارك فيه الحكومة والمجتمعات (أحزاب ونقابات وتشكيلات اجتماعية ومجتمعية) والقطاع الخاص، ينظم العلاقة والتوازن بين أركان الدولة والمجتمع، ويفعّل الموارد وينظمها، ويعيد توزيعها بعدالة.

لدينا ببساطة منظومة من الموارد والأعمال نحتاج إلى إدارتها وتنظيمها وتطويرها وتوزيعها، هذه هي القضية وهي المشكلة أيضا. نريد أن نتأكد أن الموارد العامة والخاصة تسير باتجاه الزيادة والفاعلية، وأنها منظمة بكفاءة عالية، وأنها توزع بعدالة تامة، ولذلك فإن مفتاح الأزمة هو الإدارة والموارد البشرية التي تنمي الموارد وتديرها بكفاءة: كيف نضمن ونتأكد أن يتولى المناصب والأعمال والوظائف في جميع المستويات الإدارية أفضل الكفاءات؟ وكيف نتأكد ونضمن أن الاختيار للأعمال والوظائف (وهذا يشمل القطاع الخاص) يجري بعدالة ونحو اختيار المهارات والمواهب العالية التي تنمي الموارد وتفعلها؟ فالاقتصاد اليوم هو اقتصاد أعمال ومهن ومعرفة، ومجتمعنا أيضا تغلب عليه الأعمال والمهن والمعرفة، ومن غير نظام عمل وترقية وتنافس عادل وكفؤ ستهدر الموارد، ثم تنشأ فجوة اجتماعية وسياسية وثقافية تؤدي إلى العنف والسلبية.

اضافة اعلان

والنخب التي تقود المؤسسات والأعمال يجب أن تكون مفتوحة من الاتجاهين، الدخول والخروج، بحيث يترقى في المناصب والقيادة أفضل الكفاءات وأجدرها، ويخرج منها من يفشل في ملء موقعه وأداء مهمته. ومن غير نخبة مقنعة للمجتمعات فإن الثقة السياسية ستظل معطلة، ومن غير ثقة بالكفاءة والقدرات فإن المصالح والأعمال والاستثمارات معرضة للفشل والضياع والخسارة، وفي مؤسسات تقنية وتجارية معقدة وبيئة أعمال منافسة ومفتوحة، فإنه لا يمكن بناء الأسواق ولا المشاركة فيها من غير منظومة ثقافية وسياسية وإدارية تبحث عن المهارات والمواهب وتحشدها وتوظفها وتطورها، فنحن اليوم في سوق لا ترحم، ولا يمكن الاستمرار في أسلوب الاختيار للمواقع والأعمال والوظائف (في القطاع العام والخاص وفي المجتمعات) على أسس من الهدايا والواسطة والمحسوبية والقرابة والشراكات الفاسدة، وإذا لم يتقدم إلى قيادة المؤسسات العامة والخاصة أفضل الكفاءات، وإذا لم تعد الكفاءات والمهارات اللازمة، فسوف تلحق مؤسساتنا العامة والخاصة بشركات وأعمال وقيادات أجنبية، أليس من المنطقي عندما تفشل المؤسسات التعليمية والصحية أن نسند إدارتها وتنظيمها إلى مؤسسات ناجحة من سنغافورة أو تشيلي على سبيل المثال؟!

[email protected]