مَن الذي كان وراء تفجير السفارة الأميركية في تركيا؟

سيارة إسعاف تقوم بإخلاء المصابين بعد تفجير السفارة الأميركية في تركيا - (أرشيفية)
سيارة إسعاف تقوم بإخلاء المصابين بعد تفجير السفارة الأميركية في تركيا - (أرشيفية)

بيوتر زاليفيستكي
(مجلة تايم) 2/2/2013
عند الساعة الواحدة والربع من بعد ظهر الأول من شباط (فبراير) الحالي، توقف رجل عرف لاحقاً على أنه إيشيفيت شانلي، خارج مدخل موظفي السفارة الأميركية في أنقرة، ونزع فتيل حزام ناسف كان يلفه حوله وفيه 13 رطلاً من المتفجرات، بالإضافة إلى قنبلة يدوية، ما أفضى إلى مقتل رجل أمن تركي وجرح آخرين، وتقطيع نفسه إرباً.اضافة اعلان
وفي خضم الفوضى التي سادت ساعات قليلة بعد الحادثة، امتلأت المواقع الاجتماعية والإخبارية التركية بأسماء المتورطين المحتملين. وفي وقت متأخر من فترة ما بعد الظهر، بدأت القائمة التي ظهرت بضم سجل لكل صراع لعبت فيه تركيا -عضو الناتو والطامحة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والقوة الإقليمية الصاعدة- دوراً خلال العقد الماضي.
في البداية ظهرت أسماء المشتبه فيهم الاعتياديين. كانت هناك "القاعدة" التي كان قد أنحي عليها مسبقاً بالمسؤولية عن سلسلة هجمات إرهابية مميتة وقعت في إسطنبول في العام 2003. ثم جاء حزب العمال الكردستاني الذي شن حرباً ضد تركيا لثلاثة عقود تقريباً، والذي وافق زعيمه المسجون مؤخراً على إجراء مباحثات مع الحكومة.
ثم ورد اسم سورية التي تحولت من أفضل صديق إلى عدو مطلق منذ تفجر التمرد المسلح لإسقاط الرئيس بشار الأسد، والتي كانت قد وضعت من بين المشتبه فيهم، على الأقل من جانب الأتراك، باعتبار أن لها ضلعا في التفجير المميت الذي كان قد وقع في مدينة غازي عنتاب التركية في شهر آب (أغسطس) الماضي. ثم جاء اسم إيران التي حذرت تركيا من أن موقفها الحربي من الأسد -وعلى نحو خاص بعد نصب حلف الناتو لبطاريات صواريخ الباتريوت على طول الحدود التركية السورية- قد يؤذن باندلاع حرب عالمية ثالثة في وقت قريب. وأغلقت القائمة بغلاة القوميين، ناشطي الاستخبارات المتمردين، والمتطرفين الإسلاميين الذين نشأوا في الوطن.
ومع نهاية اليوم، مع ذلك، اتضح أن المجموعة التي بدت وأنها الأكثر ترجيحاً لأن تكون قد وقفت خلف تفجير يوم الجمعة هي تنظيم ماركسي -جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري. وأعلن مسؤولون أتراك رفيعو المستوى، بمن فيهم رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان، أن ايتشيفيت شانلي، المفجر الانتحاري، كان عضواً في المجموعة. وكان قد سجن في الفترة بين العامين 1997 و2002 بتهم تتصل بالإرهاب.
وفي بيان مطول وغير مركز بث على الموقع الإلكتروني يوم السبت الذي تلا الانفجار، أعلنت الجبهة المذكورة مسؤوليتها عن الهجوم على السفارة، واصفة الولايات المتحدة بأنها "قاتلة شعوب العالم". وقالت موجهة الحديث إلى إدارة أوباما: "اسحبوا قواعدكم وصواريخكم وبطاريات الباتريوت الجهنمية من بلدنا". وأضاف البيان: "إن الشعب السوري هو من يقرر كيفية حكم سورية ومن جانب من. وإذا كانت حكومة حزب العدالة والتنمية تابعة وخانعة للإمبرياليين الذين يسعون للإطاحة بالأسد والذي يرفض طأطأة رأسه لهم.. فإننا ندين استخدام أراضينا في خدمة مصالح الإمبرياليين ضد سورية".
وتجدر الإشارة إلى أن بطاريات صواريخ الباتريوت التي أشار إليها البيان هي الصواريخ الاعتراضية التي نصبت مؤخراً على طول الحدود بين تركيا وسورية. وكان ما مجموعه ست بطاريات -والتي أرسلت كل من ألمانيا وهولندا والولايات المتحدة اثنتين لكل منها- قد نصبت في تركيا لحمايتها من هجوم صاروخي سوري محتمل.
لكن السؤال هو: هل دفعت سورية الجبهة الماركسية إلى القيام بالتفجير، أم أن المجموعة تصرفت من تلقاء نفسها؟ ويأتي التفجير، كما تجدر الإشارة، على خلفية حملة بوليسية ضخمة شنتها السلطات التركية ضد جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري. ومنذ بداية كانون الثاني (يناير) الماضي، تم اعتقال نحو 85 عضواً من أعضاء المجموعة. وقبل أكثر قليلاً من أسبوع، اتهم 55 عضوا من بينهم بالعضوية في تنظيم إرهابي. ووفق مصادر الشرطة التي اقتبست منها الصحف التركية، كانت المجموعة تخطط لاغتيال مسؤولين في الدولة ومهاجمة سفارات أجنبية. وفي الأثناء، يشار إلى أن الهجوم الانتحاري يوم الجمعة الماضي جاء مع تصاعد عنف الجبهة التركية الماركسية المذكورة. وكانت المجموعة قد هاجمت خلال العامين الماضيين عدداً من الأهداف الشرطية، وعلى نحو خاص في إسطنبول. وفي 11 أيلول (سبتمبر) الماضي، وفي هجوم حمل العديد من بصمات هجوم يوم الجمعة الماضي، فجر مفجر انتحاري من الجبهة الماركسية نفسه في داخل مركز للشرطة في إسطنبول، ما أسفر عن مقتل ضابط شرطة.
يقول نهاد علي أوزكان، الخبير التركي في الإرهاب وضابط الجيش المتقاعد، إن إقدام الجبهة المذكرة على تصعيد حملتها العنيفة في وقت يتزامن مع بدء تصاعد التوتر بين تركيا وسورية إلى مستويات عالية جديدة، ليس من قبيل المصادفة. ويضيف أنه خلال فترة الحرب الباردة "قدمت سورية الكثير من التسهيلات لهذه المجموعة، بما في ذلك المعسكرات والذخائر وما شابه. وهم أصلاً يتوافرون على علاقات وثيقة مع الاستخبارات السورية". والآن، وقد انخرطت سورية وتركيا فيما يصفه اوزكان بأنه "حرب بالإنابة" أطلت الجبهة برأسها مرة أخرى. ويشير إلى أن "نشاطها يتزايد بسبب الأزمة السورية".
من جهته، يقر هنري باركي، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، والذي يدرس في جامعة ليهاي، أن المجموعة قد تكون متعاطفة مع الأسد، لكنه لا يرى أي تورط سوري مباشر في الهجوم. ويقول: "لا أعتقد بأن السوريين يستطيعون حمل هؤلاء الأولاد على فعل شيء لصالحهم. فهؤلاء الأولاد سيفعلون ما يريدون هم فعله. وهم مثل الطائفة المذهبية، إذا قرر أحد قادتهم أنه يتوجب عليهم الإضراب عن الطعام، فإنهم سيضربون عن الطعام ويموتون". (وهذا ما حدث على وجه التحديد في العام 2000 عندما مات 60 من أعضاء الجبهة السجناء خلال احتجاج ضد ظروف السجن). وبالإضافة إلى ذلك، كما يقول باركي، فإن "السوريين لا يريدون شيئاً من هذا القبيل". وهو يعتقد بأن شن مثل هذا الهجوم الصغير ضيق النطاق والرمزي ضد سفارة أميركية، وعلى ضوء المخاطر التي شكلها، ليس له معنى. وقال: "من أجل ذلك وحسب تقوم بإثارة غضب أميركا؟ آه".
وتنبأ باركي الذي تحدث إلى مجلة تايم قبل صدور بيان الجبهة الماركسية التركية بأن المجموعة ستقول إنها استفزت بسبب نصب الصواريخ الاعتراضية. وأضاف: "سوف يربطونها مع الباتريوت لأنها الطريقة التي يبررون بها ارتكاب شيء أحمق كهذا. وهم يريدون أن يظهروا مثل الأبطال الذين يتصدون ويقاومون".
ولجبهة حزب التحرر الشعبي الثوري في تركياً جذور تمتد في عدد من التنظيمات الراديكالية اليسارية التي تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي، وأجندة معادية للغرب، وهي تشكل نقطة عندما تتهم الحكومات التركية المتعاقبة بأنها تابعة لأميركا والناتو -كما أن كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا صنفتها على أنها مجموعة إرهابية. وسوية مع سابقاتها، دف سول، واليسار الثوري، يعتقد بأنها مسؤولة عن قتل جنرالين متقاعدين ووزير حكومي سابق ورجل أعمال تركي مرموق. وفي ربيع العام 1991، وللاحتجاج على الدور الأميركي في حرب الخليج -قتلت المجموعة مقاولين عسكريين أميركيين وجرحت ضابطاً في سلاح الجو. وفي الأعوام اللاحقة، حاولت القيام بشن هجمات صاروخية على قاعدة جوية أميركية في جنوبي تركيا وعلى القنصلية الأميركية في إسطنبول. ويقول باركي إن التهديد المستمر كان واحداً من المسوغات التي دفعت بالقنصلية الأميركية للانتقال إلى شطر آخر من المدينة.


*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
The US Embassy Bombing in Turkey: The Unusual Suspects

[email protected]