ألا يستحق ذلك التفكير؟!

بينما كان مجلس النواب يقرّ مشروع التعديلات الجديدة على قانون مكافحة الإرهاب، وصل شاب آخر (من مدينة السلط) إلى سورية عبر تركيا، بعد أن ترك جامعته، ولم تفلح محاولات وجهود عائلته في استعادته، وذلك بالتزامن مع مغادرة شباب آخرين لينضمّوا إلى ما بين 1200-1800 أردني يقاتلون هناك، قُتل منهم العشرات إلى الآن، بعضهم على يدّ الجيش السوري، وآخرون في الصراعات القائمة بين المقاتلين الإسلاميين هناك!اضافة اعلان
عدد المقاتلين الأردنيين في سورية لم يعد قليلاً أو محدوداً؛ فنحن نتحدث عن آلاف. وهناك مئات ينتظرون الفرصة السانحة للعبور إلى سورية. بينما لدينا في محكمة أمن الدولة عدد كبير من القضايا التي يحاكم فيها عشرات الشباب الآخرين بتهم محاولة التسلل إلى سورية، بالإضافة إلى مئات المحكوم عليهم على خلفية قضايا لأبناء التيار السلفي الجهادي.
إذا تابعنا اليوم مواقع التواصل الاجتماعي، فسنجد أنّنا أمام صفحات متخصصة بـ"شهداء السلط"، و"شهداء معان"، و"شهداء الأردن". وآخر الصيحات المقلقة، البيان الذي أصدرته ما تسمى بـ"كتيبة شهداء معان"، وتعلن فيه مبايعة البغدادي، وقبل ذلك صورة لشاب أردني (يقاتل مع "داعش") يحرق جواز سفره، ويتوعّد الدولة هنا بالقتال!
بالإضافة إلى هذا العدد الكبير من المشاركين في أحداث سورية من الأردنيين، سواء في "جبهة النصرة" أو "داعش"، فإنّ ما تتميز به المساهمة الأردنية في هذه الجماعات في سورية، هو كونها مساهمة نوعية؛ يغلب عليها الجانب القيادي في الأحداث! فهنالك مواقع قيادية للأردنيين، على الصعيد التنظيري أو حتى الحركي. وربما المفارقة أيضاً هي أنّ د. سعد الحنيطي غادر الأردن قبل أسابيع للقيام بوساطة بين "النصرة" و"داعش"؛ أيّ إنّ هناك دوراً حيوياً ومشاركة نوعية للأردنيين هناك.
دعونا نمرّ بصورة سريعة على أهم الأسماء الأردنية في سورية. ففي المقام الأول، الشخصيات التي تحدث عنها أبو محمد الجولاني والظواهري وطالبا بتحكيمها في النزاع بين "داعش" و"النصرة" أغلبها أردنية؛ مثل عصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي) وعمر محمود (أبو قتادة الفلسطيني)، وكلاهما في السجون الأردنية. بينما وبرغم إصراره على عدم التزامه بين تنظيم أو جماعة، تحظى آراء الدكتور إياد القنيبي (الإسلامي الأردني والأستاذ الجامعي) بأهمية بالغة في أوساط الجماعات المسلّحة في سورية. أمّا الدكتور أكرم حجازي، فهو حالياً واحد من ذوي الكلمة المسموعة في الأوساط الفكرية القريبة من هذه الجماعات.
على صعيد ثانٍ، يمثّل الدكتور سامي العريدي (خريّج كلية الشريعة في الجامعة الأردنية)، الوجه الأبرز في جهاز الإفتاء الشرعي في "جبهة النصرة"، بينما كان مجدي نجم (أبو مارية الفلسطيني)، الذي يحاكم حالياً في الأردن، يتولّى مهمة الإفتاء في جبهة أحرار الشام، قبل أن تفيد بعض الأنباء بأنّه عمل على تأسيس تنظيمه الجديد هناك، كما هي حال عدد من أبناء السلط، الذين أسّسوا تنظيماً خاصّاً بهم في حلب (اسمه بلقاء الشام).
على الصعيد المقابل، يقود أردنيون آخرون الحملة المعاكسة ضد "جبهة النصرة"، ويتولّون نشر ودعم الردّ على أنصار "النصرة"، كما يتولّون مواقع قيادية عسكرية كبرى في "داعش"، فيما يتولّى أردنيون آخرون مواقع عسكرية شبيهة في "جبهة النصرة"!
الحديث يطول عن هذا الموضوع، لكن السؤال المهم: ألا تستحق تلك المؤشرات اهتماماً وتفكيراً وتحليلاً عميقاً لدينا بما يتجاوز العقلية الأمنية، ويدفعنا إلى صوغ مجموعة من الأسئلة الأساسية ومحاولة الإجابة عليها، طالما أنّنا نشاهد ظاهرة تتمدّد وتنتشر وتكبر، وليس العكس؟ في تقديري أنّ الأمر يستحق فعلاً نقاشاً عميقاً موضوعياً خارج الإطار الأمني والأيديولوجي والسطحي الساذج الذي ما يزال يتم من خلاله النظر إلى الموضوع!