أهمية زيارة عباس للأردن

محمد الشواهين

زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً للأردن، ولقاؤه مع جلالة الملك، نالت اهتماما واسعا على المستويين المحلي والدولي. فعلى الرغم من أنها لم تكن طبعاً الزيارة الأولى ولن تكون الأخيرة، فإنها اقترنت بهذا القدر من الأهمية لأنها جاءت في ظروف غير عادية.اضافة اعلان
اعتلاء دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، والخشية من تنفيذ وعده بنقل سفارة بلاده إلى القدس، مخالفا بذلك مواقف من سبقه من الرؤساء في هذا الموضوع بالذات؛ وكذلك الاتفاق الروسي الإيراني التركي حول وقف القتال على مختلف الجبهات في سورية؛ ومحاصرة الموصل والتضييق على تنظيم "داعش" فيها وفي مواقع عدة أخرى؛ أضف إلى ذلك التعنت الإسرائيلي والاستمرار في بناء المستوطنات؛ ومؤتمر القمة العربية المقبل في عمان... كل هذه القضايا وغيرها، حدت بالرئيس عباس إلى القيام بزيارته هذه للقاء القيادة الأردنية، للتشاور والتنسيق بشأن ما ينبغي القيام به لمواجهة مجموعة من التحديات التي تواجه البلدين، والإقليم على وجه العموم.
من المعروف أن ثمة مصالح مشتركة للطرفين تتطلب التشاور والعمل المشترك، لما يربط الأردن وفلسطين من علاقات تاريخية لها خصوصيتها التي تتجاوز الشكليات والمجاملات. وبما أن البلدين الشقيقين ارتبطا بماض مشترك في كثير من الحقب التاريخية، فإن من البدهي أن مستقبلهما أيضا سوف يكون مرتبطا ارتباطا وثيقا. ثمة حقيقة يجهلها كثير من الناس، وحتى من الطبقة المتعلمة تحديداً، وهي أنه كما يضم المجتمع الأردني مواطنين من أصل فلسطيني، فإن هناك أيضا فلسطينيون بأعداد كبيرة من أصل أردني. إذ إن الهجرات العربية التي خرجت من جزيرة العرب باتجاه بلاد الشام، كانت تمر عبر الأردن في طريقها إلى فلسطين.
وأود في هذا المقام أن أقدم مثالا على ذلك، هو قبيلة العمرو الكركية. إذ من الثابت أن عشائر المساعيد في منطقة الجفتلك، والجرادات في جنين، وعرب السواحرة شرق بيت لحم، وعشيرة العملة في بيت أولا، والشواهين في يطا، وعشيرة العقبي في بئر السبع، كلها تنحدر من قبيلة بني عقبة/ العمرو.
من خلال هذا السياق، يبدو بوضوح أن ثمة صلات قربى متينة بين أبناء الشعبين الأردني والفلسطيني، اكتسبت خصوصية في علاقات ومجالات متعددة، ناهيك عن وحدة الضفتين التي كانت تعدّ أقدس وحدة عرفها التاريخ العربي المعاصر. فكانت الضفة الغربية جزءا لا يتجزأ من المملكة الأردنية الهاشمية، وعلى أرض الضفة سالت دماء زكية من أبناء الأردنيين، روت الثرى الفلسطيني في باب الواد واللطرون والشيخ جراح وبلدة السموع.
على صعيد متصل، ظلت القيادة الهاشمية ترعى المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، وتعمل على إعمارها والمحافظة عليها، حتى بعد سقوطها في يد المحتل الإسرائيلي. وفي اتفاقية وادي عربة، تجد نصوصا تمنح حكومة الأردن حق الرعاية لتلك المقدسات في مدينة القدس، إلى يومنا هذا؛ الأمر الذي من شأنه كبح جماح المتطرفين اليهود الذين يبذلون المحاولة تلو الأخرى للنيل من هذه المقدسات.
في المحصلة، فإن الرئيس محمود عباس يدرك بشكل جلي أن التشاور والتنسيق والتعاون مع الجانب الأردني، على المستويات والصعد كافة، له انعكاسات إيجابية على القضية الفلسطينية ككل. وفي هذا الإطار جاءت هذه الزيارة المهمة مؤخراً.