الأردن ودول الجوار

باستثناء المملكة العربية السعودية، فإن الأردن يعيش في حالة جيرة مرهقة. وهي حالة تمثل تحديا كبيرا لا يمكن تجاهله أو نسيانه.
فالأردن، بحكم الجغرافيا السياسية، يعتمد في موارده ونموه الاقتصادي على جيرة طيبة؛ فلا يمكنه الاستغناء عن هذا الجوار الطيب. وأن تطول الأزمة وتمتد في دول الجوار، يجعل الأردن المتأثر الثاني بأزمة البلد المجاور، ويجعله ذلك يدفع الثمن مثل بلد الأزمة؛ وهي كلفة برغم ضخامتها تبدو غير مقدرة تقديرا صحيحا إن اعترف بها. بل ثمة خرافة كاسحة بأن الأردن يستفيد من الأزمات، أو أنه يعيش على الأزمات، وهذه أسوأ فكرة لقيت قبولا في الوعي الشعبي والإعلامي، لأنها بمثابة عمل ضد الذات، وتقلل كثيرا من الشعور بالخطر والأزمة؛ يشبه ذلك حالة المريض بالسكري أو غيره من الأمراض عندما يفقد الإحساس بالألم، فيمكن أن تحترق أطرافه وهو لا يشعر!اضافة اعلان
الحالة القائمة في فلسطين وسورية والعراق تشكل أعباء كبرى على الأردن، تجعله طرفا مباشرا في الأزمة، ومتضررا بها على نحو كبير. ونحتاج في الأردن إلى بذل كل ما يمكن لتحقيق الاستقرار والتقدم في هذه الدول، فذلك يخفف الأزمات الكبرى للجوء والهجرة إلى الأردن، ويساعد على مواجهة الإرهاب والجرائم وغياب القانون وتلاشي سيادة الدول. كما يحرك الأسواق بالنسبة للأردن والدول المجاورة، فلا يمكن النظر إلى النمو الاقتصادي من غير أسواق ناشطة ونامية أيضا.
يضاف إلى ذلك أن المعاهدة مع إسرائيل تمثل عبئا سياسيا، وتضر بالتماسك الاجتماعي من غير فوائد اقتصادية. وتشكل معارضة التوظيف الاقتصادي والتنموي للمعاهدة، والعجز عن تحقيق مكاسب اقتصادية من ورائها، مخاسر إضافية. ومن المحير هذا الرفض للمكاسب الاقتصادية للمعاهدة، في الوقت الذي تُتقبل فيه المشاركة في الكنيست الإسرائيلي، والعمل في إسرائيل وبناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة والقدس. ويُنظر إلى منع الفلسطينيين من العمل في إسرائيل على أنه حرب إسرائيلية على الفلسطينيين، ثم يطلب من الأردن والأردنيين الامتناع عن المشاركة في الأسواق والتجارة والفرص المتأتية من المعاهدة! بل إن أحد نواب الإخوان المسلمين في الكنيست الإسرائيلي ينتقد التطبيع الأردني الإسرائيلي!
في جميع دول العالم (عدا الأردن)، يُنظر إلى حماية المصالح الاقتصادية وتعظيمها وتطويرها، على أنها منجز أساسي للحكومات؛ تعتز به وتبرر على أساسه مواقفها وسياساتها. وفي جميع دول العالم تحدد المصالح الاقتصادية السياسة الخارجية. ولا يجوز أن يعيب ذلك الأردن والأردنيين، العكس هو الصحيح؛ فمن الخيانة أن تتخلى حكومة عن حماية مصالح مواطنيها وأسواقها، أو تفويت فرصة اقتصادية على نفسها.