الحكومة الجديدة والحراك الشعبي

لم تصدر مواقف واضحة إلى هذا الوقت عن معظم القوى الممثلة للحراك الشعبي، حول استقالة الحكومة السابقة وتكليف الدكتور فايز الطراونة تشكيل الحكومة الجديدة؛ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الحراك الشعبي أصبح له وزنه السياسي الذي يفترض أن يحسب حسابه في كل التحولات التي تشهدها البلاد، وأنه حان له الوقت لتطوير خطابه السياسي الذي يعكس مواقفه في الأحداث والتحولات الجارية.اضافة اعلان
مارست الحكومة السابقة عمليا أسوأ فصول الصدام مع الحراك الشعبي، على الرغم من كل ما وصفت به من حكومة قانون وإصلاح وتغيير. وأدت الاعتقالات وعمليات التضييق ومصادرة الحريات العامة إلى وصول الحراك الشعبي إلى أشد لحظات التطرف. وأثبتت هذه المعطيات عمليا فشل القبضة الأمنية في مواجهة حقوق الناس ومطالبهم.
ما تزال الأسباب والخلفيات التي أتت بالحركة الاحتجاجية الوطنية قائمة، وتتفاقم يوما بعد يوم. ووفق الفهم التاريخي لتحولات الحركات الاحتجاجية الاجتماعية ذات التعبيرات السياسية الحادة، فإن الحراك الشعبي في المحافظات تحديدا مرشح للمزيد من التصاعد مع إخفاق الدولة المستمر في تطوير أدوات إيجابية في التعامل مع أسباب الحراك ودوافعه، وعدم وجود خطاب سياسي واجتماعي يدعم الأدوات المفترض أن تطورها الدولة. بمعنى أوضح، أكدت الحكومات الثلاث السابقة فشلها في تقديم رؤية واضحة يمكن النقاش حولها في التعامل مع الحراك، ما يجعل مهمة الحكومة الانتقالية على حساسية عالية في التعامل مع هذا الملف.
إلى هذا اليوم، ما يزال الربيع الأردني الذي تعبر عنه الحركة الاحتجاجية حالة غير مسبوقة في الانضباط بالمفهوم الاجتماعي السياسي، وأي محاولة لتكرار سلوك الحكومة السابقة بمعالجات متطرفة ستقوده إلى المزيد من التطرف؛ فالانكشاف الواسع للفساد، واختلال العلاقات بين الدولة والمجتمع وبين الداخل والخارج، يضعان أمام الدولة خيار التخلص من أوهام الماضي. زد على ذلك الطريقة التي تعامل بها مجلس النواب في تصفحه وطيه لملفات الفساد واحدا تلو الآخر، إلى جانب الانتقائية التي وصلت حد السلوك الكيدي في التعامل مع هذه الملفات، وهو سلوك لا يليق بدولة ولا برجالها ونخبها، الأمر الذي سيراكم المزيد من النقمة والإحباط وسط القواعد الاجتماعية العريضة.
هناك نغمة من التشاؤم وسط قوى المعارضة التقليدية حول إمكانات الحكومة المنتظرة. وإذا كانت الخبرة والميراث لا يسعفان الطرفين في مدة قصيرة ومهمة محددة، فإن الانفتاح على الحراك الشعبي وتطوير رؤية وطنية في هذا الملف قد يسهمان في سد جانب من الفراغ السياسي في التعامل مع المرحلة الانتقالية.
ليس المطلوب من الحكومة الجديدة أن تعمل على تهدئة خطوط التماس مع الحراك الشعبي وحسب، بل أن تدخل البلاد في حالة سياسية تفرغ الشد الاجتماعي والسياسي من خلال الاقتناع بأن الساحة الداخلية تحتاج إلى أدوات جديدة ولغة جديدة في التعامل معها، بعيدا عن وهم شيطنة الحراك الشعبي ومحاولة تشويه أهدافه؛ فهذه الأطروحة لن تبعد الحراك عن القواعد الاجتماعية بقدر ما تزيد العمق الاجتماعي للاحتجاج، وتزيد من غربة الدولة عن المجتمع.