الخطر الإسرائيلي وسؤال المراجعة الأردني!

مع اقتراب أفول العام الحالي تشير قراءة خريطة الأخطار والتحديات الاستراتيجية أمام الأردن إلى عودة الخطر الإسرائيلي لتصدر قائمة هذه الأخطار، وبما ينضاف أو يتشابك مع التحدي الاقتصادي الصعب الذي تمر به المملكة، وذلك بعد أن تقدم خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية خطر الجماعات الإرهابية، واستحكامها في الشرق والشمال، ليتصدر تلك القائمة. اضافة اعلان
الخطر الإسرائيلي على الأردن لم يغادر يوما، رغم كل أحلام وأوهام السلام، مربع الخطر الوجودي، وإذا كان البعض انغمس في بعض التفاصيل الفرعية والفتات الذي ورد في معاهدة وادي عربة الموقعة العام 1994 من قبيل "دفن أحلام الوطن البديل"، فإن جوهر المصلحة الاستراتيجية الأردنية لم تتحقق، ولا تبدو في وارد التحقيق على المدى المنظور، والتي تتمثل بكل بساطة، وقبل قصة الحقوق المائية وفوائد اقتصادية وغيرها، في إقامة دولة الشعب الفلسطيني المستقلة وذات السيادة في أرضه المحتلة وانسحاب الاحتلال ومستوطناته منها.
في هذا العام، لم تكتف إسرائيل التي استوطنها اليمين، بضرب أساس المصلحة الاستراتيجية الأردنية بالإصرار على رفض استحقاقات السلام والاستمرار في ابتلاع أراضي الضفة الغربية المحتلة بالمستوطنات والشوارع الالتفافية، بل قفز وبدعم وشرعنة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أساسات ثابتة باتفاقية السلام تتعلق بالإقرار بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وتكريس ابتلاع القدس الكبرى عاصمة لكيان الاحتلال، وبما يتناقض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي.
سبق قرار الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للاحتلال عشرات الانتهاكات والاختراقات الإسرائيلية للحرم القدسي الشريف الذي يقع تحت ولاية الأردن، والتجرؤ على أمن المملكة وسيادتها كما جرى في تعامل الحكومة الإسرائيلية مع تداعيات جريمة قتل مواطنين أردنيين بشقة ملحقة بالسفارة الإسرائيلية. كل ذلك يجعل من المفهوم إعادة الخطر الإسرائيلي على رأس قائمة الأخطار والتحديات الاستراتيجية أمام الأمن القومي والمصالح الأردنية، فيما يتراجع خطر الإرهاب وجماعاته بسورية والعراق على سلم الأولويات في ظل انكفاء واندحار هذا الإرهاب هناك.
ولا يمكن طبعا قراءة خريطة الأخطار والتحديات الاستراتيجية أمام الأمن القومي الأردني بعيدا عن قراءة ما شهدته خريطة الأخطار والمصالح والتحديات الأقليمية والدولية في الإقليم من إعادة ترتيب وتموضعات، فالسياسات والتحالفات الاستراتيجية لدول الإقليم الكبرى وبالتشابك مع سياسات الدول العظمى المؤثرة والتي بنيت وشيدت بطبعتها الأخيرة على وقع الاشتباك مع الأزمتين السورية والعراقية.. ومع اليمنية والقطرية إلى حد ما، تشهد منذ أشهر إعادة صياغة وترسيم وبروز تحالفات جديدة، تظهر بصورة واضحة في توافقات ومقاربات مشتركة لتركيا وإيران وروسيا تجاه الأزمة السورية أساسا، وما يجري من محاولات تقارب تركية مع مصر بعد قطيعة، بينما أطلق قرار ترامب الأخير حراكا سياسيا ودبلوماسيا قد يصعب معرفة منتهاه أو ما سيستقر عليه من تموضعات واصطفافات إقليمية ودولية.
سؤال المراجعات وإعادة الحسابات والتوسع بدائرة الخيارات والتحالفات ليس مقتصرا على الأردن، بل يطال أغلب محاور ودول الأقليم. وما يفرض ذلك أساسا هو اقتراب إسدال الستارة على غير أزمة وبؤرة توتر، وعلى رأسها سورية والعراق وتراجع وانحسار الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تسيدت المشهد على مدى السنوات الست الماضية.
وما يفرض سؤال المراجعات أردنيا وإقليميا أيضا هو الانتقال الإسرائيلي والأميركي إلى مرحلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، بعد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان المحتل، وما تنذر به بعض إرهاصات السياسة الأميركية الجديدة من الذهاب إلى الاعتراف بـ"يهودية الدولة" في إسرائيل، مع ما يجره ذلك من أخطار تهجيرية و"ترانسفيرية" ضد الشعب الفلسطيني.
كيف ستكون المراجعة؟ وما هي سلة الخيارات الأردنية والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه السياسة الأردنية محكوم موضوعيا وذاتيا بعدة اشتراطات واعتبارات، ليس هنا مجال التفصيل فيها؟ لكن الثابت، كما أعتقد أن نوعا من المراجعة وتنويع الخيارات بات مطروحا بقوة على طاولة النقاش والتدقيق، خاصة في ظل  تقدم الخطر الإسرائيلي لتسيد المشهد من جديد!