ثمن الفشل أكبر هذه المرة

حتى اللحظة، يبدو أن المشكلة الكبرى التي تواجه الحكومات ولم تتمكن من التخفيف منها، هي فجوة التنمية بين العاصمة وبين الأطراف والمحافظات. ويزداد ضغط هذه المعضلة في ظل تنامي الحراك المطلبي والإصلاحي الذي يعم مختلف مناطق المملكة.اضافة اعلان
أخيرا، يبدو أن صناع القرار اعترفوا بالمشكلة، وقدروا أنها أحد أهم أسباب التحرك الشعبي وخروج الناس عن صمتهم والتواجد في الشارع، للتعبير عن طموحاتهم وتطلعاتهم، أملا في حياة أفضل وعدالة، من خلال الحصول على حياة كريمة توفرها فرص العمل التي سيتم استحداثها في مناطقهم.
العصف الذهني والتفكير الحكوميان حول المشكلة جعلا المسؤولين يضعون خططا للتعاطي مع الأزمة بعد أن بدأت الدولة بالتخلي عن دورها في توفير فرص العمل دون أن تخلق لهذه المجتمعات بديلا من الوضع القائم.
وبعد مرور نحو عامين على الحراك بشقيه، تمكنت الحكومات من وضع تصور مبدئي لكيفية تقليص الفجوة، يمكن أن يساهم -إن نجح- في تغيير قناعات الناس حيال أوضاعهم، والتخفيف من غضبتهم تجاه تقصير الحكومات المتعاقبة وقصور سياستها.
ووزير التخطيط والتعاون الدولي جعفر حسان، يتحدث عن أكثر من فكرة تعكس اهتماما رسميا بالمحافظات والأطراف، لتحقيق التنمية المستدامة فيها، والتمكن من توفير فرص عمل تشغل أبناء هذه المناطق.
الخطط تتمحور حول صندوق تنمية المحافظات، وصندوق التمويل الصغير والمتوسط، وآخر لتمويل المشاريع متناهية الصغر، إضافة إلى تمويل المشاريع من خلال صندوق التنمية والتشغيل، ومقياس مؤشر التنمية للمحافظات لتحديد الاحتياجات الحقيقية لكل محافظة.
والظاهر أن الجهد الرسمي يركز على هذه المشكلة، أملا في امتصاص جزء من الاحتقان الشعبي لدى مجتمعات طالما خذلتها الحكومات، وقدم لها المسؤولون كثيرا من العهود دون أن يتحقق شيء من الوعود المقطوعة.
محاولات ردم الفجوة تأتي من إدراك عميق لدى جهات رسمية بأن حل هذه المشكلة، ووضع أدوات مستدامة لهذا الحل، سيؤديان إلى خفوت الاحتجاجات وعودة الأمور إلى نصابها الذي كانت عليه.
الرهان الحكومي قد لا يكون صحيحا، لكن ربما يسهم تحقيق التنمية في المناطق التي ظلت دوما أقل حظا، في تحسين المزاج العام.
بيد أن جعل التنمية واقعا معاشا أمر ليس هيّناً، ونجاح الخطط الرسمية بحاجة إلى قياس مدى معرفة أبناء هذه المناطق وشبابها، وحقيقة امتلاكهم للأدوات والمهارات اللازمة لنجاح الخطة. لا بد أن تدرك الحكومات أن مستوى خبراتها وإمكاناتها ضعيف نتيجة العطب الذي أصاب قطاع التعليم، وهذا يعد بامتياز وصفة فشل لفكرة إنشاء مشاريع إنتاجية، فالأهم من توفر التمويل امتلاك المهارة.
المليارات أنفقت على المحافظات، لكنها ضاعت وفشلت في إحداث التغيير المطلوب، لأسباب ترتبط بسوء التخطيط وانعدام الرؤية، وضعف الرقابة والمتابعة، وسوء تقدير الاحتياجات، وأكثر أهمية من كل ما سبق ضعف القدرات.
نجاح خطط ردم الفجوة التنموية التي نعاني منها، والتي ولّدت كثيرا من مشاكلنا، بحاجة إلى الالتفات لعوامل الفشل، والتي لا تتعلق بتوفر المال، بل بتدريب وتأهيل الشباب لدخول سوق العمل، وتمكينهم من إدارة مشاريعهم، فاستدامة المشاريع لها عناصر نجاح أهمها الارتقاء بإمكانات هؤلاء الشباب حتى لا نفشل كما في كل التجارب السابقة، وربما لا نجد الوقت لإعادة الكرّة من جديد، فثمن الإخفاق سيكون أكبر هذه المرة.

[email protected]