جرائم تصنع محليا

من المفترض أن لا تمر جريمة طبربور الأخيرة من دون مراجعة قاسية للظروف والتحولات التي أوصلت المجتمع إلى هذا الحد من العنف والبشاعة والقسوة. فالشاب العشريني الذي قتل أمه وفصل رأسها عن جسدها، علاوة على أنه نتاج هذا المجتمع، هو أيضا ضحية تجارة المخدرات التي تنامت بقوة في السنوات الأخيرة، وظهرت منها أنواع قاتلة تُصنّع محليا.اضافة اعلان
بعد يومين، ينعقد مجلس الأمة الجديد. ويفترض أن تكون تجارة المخدرات التي قادت إلى جريمة طبربور وغيرها، واردة، وبقوة، على أجندة الأيام الأولى للمجلس، بل وربط منح الثقة للحكومة بإجراءات رادعة تتخذها السلطات في ملفي المخدرات وانتشار السلاح؛ إذ لا يوجد أبشع من هكذا جرائم، فماذا ننتظر؟ إن حق الإنسان في الحياة هو الحق الأول الذي يتقدم على حقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية الأخرى. واليوم، أصبحت جرائم المخدرات تهدد حق الأردنيين في الحياة. لذا، لا يستغرب أحد المطالبة، وبقوة، بأن تسبق هذه القضية الأجندات السياسية والاقتصادية للمشرعين.
الذين انبروا خلال الأشهر الماضية لمهاجمة مشروع الإصلاح التعليمي لمجرد بعض التعديلات على المناهج، زعما بالدفاع عن قيم المجتمع، نسألهم اليوم: أين هي قيم المجتمع، وسط هذه البشاعة السوداء، وهذا الإمعان في الضرب بأبسط القيم الإنسانية والاجتماعية عرض الحائط؟ وهل لديهم الاستعداد لتصعيد حملات مماثلة حول ما يرتكب بالفعل بحق قيم المجتمع وحقوقه؟
هناك خطوط اشتباك حان الوقت لأن نفككها ونقف أمام الحقيقة. لا أحد تقريبا يريد الاعتراف بأن سلسلة الجرائم التي ترتكب في المجتمع ببشاعة غير مسبوقة، بين وقت وآخر، ذات صلة بتجارة المخدرات التي تجد في المجتمعات الشبابية فرصا لا تعوض بالنسبة لتجار هذه التجارة القذرة.
لا شك أن السياسة تضع أنفها بقوة في ملف تجارة المخدرات إقليميا، كما هي الحال في تاريخ هذه التجارة السوداء في مناطق عديدة من العالم؛ فقد شهدت السنوات الثلاث الأخيرة تغيرا كبيرا في خرائط انتشار هذه التجارة عالميا. ومن دون مبالغة، أصبح الممر السوري واللبناني واحدا من أكثر بيئات الاتجار بالمخدرات عالميا. وكما نعلم، فحيثما انتشر الإرهاب والفوضى وازدهرت دول المليشيات والعصابات، ازدهرت تجارة المخدرات. وهذا ما يفسر النمو الكبير في جهود مكافحة المخدرات التي تقوم بها الأجهزة الأردنية المعنية، والتي تعكس تحولا في المشهد المحلي ليس في المكافحة وحسب، بل وفي انتشار هذه الآفة، وظهور سوق رائجة وصناعات محلية تنقلنا من مربع القلق إلى دق ناقوس الخطر بقوة هذه المرة.
الناس يتحدثون عن تجار المخدرات في المدن وفي المحافظات؛ عن أماكن انتشارها في ساحات جامعات ومدارس و"مولات"، وفي المقاهي والأكشاك وغيرها؛ وعن أساليب ترويجها؛ وعن مروجيها الذين يعرفونهم بالاسم، ومنهم حديثو نعمة يتقدمون الصفوف، ويصبحون بين ليلة وضحاها نخبا منظرين. والناس ينشغلون بالمخدرات التي تباع على الطرقات، وينشغلون على مستقبل أولادهم، أكثر من انشغالهم بالمخدرات السياسية الأخرى التي تتمثل في الصمت على ما يجري.