خطوة جيدة.. ولكن

أذكر أنني كنت بصحبة إحدى شخصيات العمل العام، عندما جاءه رجلٌ يشكو إليه أنسباءه، لإخفائهم عنه حقيقة مرض وراثي تعاني منه زوجته. وقد أدهشني عندما أخرج ملفا كبيرا من ظرف كان يتأبطه، تبين لي فيما بعد، أنه السجل المرضي لزوجته، ويحوي معلومات وتفاصيل حول تاريخها المرضي، منذ الولادة وحتى هذه اللحظة. وعلمت لاحقا أنه حصل عليه من قريب له يعمل في المستشفى نفسه الذي كانت تتردد عليه الزوجة.اضافة اعلان
وقد أعاد هذه الحادثة إلى ذهني، والتي طوتها الذاكرة سنين طويلة، توقيع الحكومة الأردنية مؤخرا مع إحدى الشركات غير الربحية، اتفاقية خاصة بإنشاء سجل طبي وطني للمواطنين كافة، يتم من خلاله ربط جميع مستشفيات المملكة بقاعدة بيانات موحدة، متاحة للعاملين في الرعاية الطبية، وممن يملكون صلاحية الدخول إلى ملفات المرضى، من أي موقع مرتبط بهذه القاعدة.
وأحسب أن حوسبة السجلات الطبية شكّلت نقلة نوعية في طريقة ممارستنا للطب، وأثبتت تمتعها بالعديد من المزايا الإيجابية؛ مثل الحد من تكرار الفحوصات الطبية من دون سبب، وتحسين التواصل بين العاملين في القطاع الطبي، بالإضافة إلى تمكن طبيب الطوارئ من التعامل مع الحالات الطارئة بمهنية عالية، نظرا لقدرته على الوصول إلى ملف المريض، والحصول على معلومات قد تفيده في تشخيص ومتابعة حالة المريض من خلال تاريخه الطبي، والأمراض السابقة، والفحوصات التي أجريت له، والأدوية المزمنة، وحساسيته من بعض العلاجات.
لكن التطور التكنولوجي قد يصبح نقمة ما لم يواكبه تطور في التشريعات الناظمة له، كما في الوعي المجتمعي، وإعادة الاعتبار لمفاهيم أصبحت شبه مفقودة عندنا، مثل الحفاظ على الخصوصية.
لذلك، فإن تطبيق مثل هذا النظام يبدأ من تغيير ثقافة المجتمع والعمل على التوعية في هذا المجال، بما في ذلك العاملون في المجال الصحي، ونظرتهم لموضوع الحفاظ على الخصوصية، ثم إصدار قوانين صارمة تنظم موضوع سرية المعلومات، والأشخاص المخولين بالاطلاع عليها، وتغلظ العقوبات على المخالفين. بعدها يأتي دور التكنولوجيا المهم في ضمان أقصى درجات الأمان، بحيث لا يطلع على هذه المعلومات إلا المخولون بذلك. وهنا قد يأتي دور استخدام البطاقة الذكية كأداة يمكن من خلالها الوصول إلى المعلومات الخاصة بشخص ما بموافقته، وموافقة طبيبه المعالج.
لقد تنبهت الدول المتقدمة لهذه المشكلة مبكرا، بما فيها الولايات المتحدة التي صادقت على قانون اتحادي (HIPPA) يوضح القواعد العامة التي تكفل حق المريض في الحفاظ على سرية معلوماته الطبية، والأشخاص المخولين بالاطلاع عليها، بحيث تراعي حقه في الاطلاع على ملفه الشخصي، وحتى بالمطالبة بتعديل هذه القواعد إذا ما خالفت الواقع.
لا شك في أنه يمكن الوصول لكلا النوعين من السجلات؛ الورقي منها والإلكتروني. لكن سهولة الوصول للملف الإلكتروني، واتساع الشريحة التي يمكنها الوصول إليه، ومن أماكن بعيدة عن المكان الذي يعالج فيه المريض، يجعلها أشد خطورة ومغرية أكثر لأصحاب النفوس الضعيفة، وربما قراصنة الانترنت (هاكرز) الساعين وراء الربح المادي من خلال ابتزاز الناس، أو حتى بيعها لبعض الجهات؛ سواء كانت شركات تأمين أو حتى أصحاب العمل.