شبكة الكهرباء وأسئلة البنية التحتية

سامح المحاريق أثارت انقطاعات الكهرباء عن مناطق عديدة في المملكة غضباً واسعاً بين المواطنين، وخاصة مع وصول فترة الانقطاع لأكثر من 24 ساعة في بعض المناطق، بما أدى إلى تنغيص الحياة أثناء المنخفض الجوي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأتت تأكيدات جاهزية شركة الكهرباء التي سبقت المنخفض لتكون عاملاً لزيادة الاستياء من أدائها. لا مجال لإنكار التقصير، ولا يوجد مواطن ملتزم بدفع تكلفة الكهرباء لمنزله يمكنه أن يلتمس مبررات للشركة في منخفض كان الحديث عنه يجري منذ أيام، ومع ذلك، فإن الحدث الأخير على جسامته يعود إلى سؤال مهم يتعلق بالبنية التحتية لشبكة الكهرباء في المملكة، والتي تعاني أصلاً من مشكلات متعددة مع ارتفاع مديونية الشركة إلى قرابة خمسة مليارات دينار أردني، وهي المديونية التي تفكر الحكومة في نقلها إلى الدين العام، ومع ذلك، فإن ذلك لن يوفر أموالاً في النهاية للشركة من أجل القيام بعمليات التحديث الضرورية على البنية التحتية. الضغط على البنية التحتية في السنوات الأخيرة، وإعادة ترتيب الأولويات يرتبط بظروف إقليمية عديدة، ومنها التكلفة المترتبة على الطاقة نتيجة انقطاع الغاز المصري بعد موجة الربيع العربي الأولى، وما أتبع ذلك من موجة لجوء واسعة للأردن نظرت المؤسسات الدولية لما تشكله من تكلفة مباشرة من إيواء وإعاشة ولم تذهب بعيداً لتحليل أثر ذلك على البنية التحتية في المملكة التي تصاعد استهلاكها بصورة واضحة وإن يكن من الصعب حصرها. تفاعلت الزيادة السكانية الطبيعية مع التزايد الناجم عن اللجوء، وتضافر تصاعد المديونية المستمر منذ الأزمة المالية العالمية والربيع العربي مع التباطؤ الاقتصادي المرتبط بالحالة الوبائية في العامين الأخيرين، ويبدو البحث عن تمويل للاستثمارات في البنية التحتية أمراً متعذراً، فخدمة الدين باهظة وإنعاش الاقتصاد يتطلب تمويلاً لا تمتلكه الحكومة، ولذلك يبدو أن البحث عن مصادر تمويل استثنائية هو الحل أمام الحكومة، وهو ما يتطلب مستثمرين نوعيين يمكنهم أن يتسلموا الإدارة بشكل مختلف، ويعبروا عن خبرات لا تتوفر محلياً. تكلفة المواجهة الآنية، أو ما نسميه في الأردن باستراتيجية الفزعة، عاليةً ويصعب توقعها، ولا يمكن أن نظل نتعامل مع الشبكة بوضعها الراهن، وأن يكون كل منخفض جوي بمثابة الكابوس في تكلفته على المواطنين وعلى الشركة، ولذلك فخوض عملية صيانة واسعة، وتحمل التكلفة العالية في المدى القصير، يصبح أمراً لا مناص منه تحول وتعميق مشكلة الشبكة الحالية، وما سيلحقها من تهالك إضافي مع الوقت. يجب أن تحضر أيضاً التكاليف الأخرى النفسية من خلال تعمق حالة الاستياء التي يتم التعبير عنها بسوداوية وتشاؤم، وما يعكسه ذلك من تراجع في منسوب الثقة بين المواطن والحكومة وقناعته بقدرة الحكومة على تلبية احتياجاته الرئيسية. ملف جديد أمام الحكومة يتطلب تحركاً جدياً، إلا أن موسمية الملف يمكن أن تؤجله لنعود السنة المقبلة مع تجربة سيئة أخرى، والكهرباء جزء من مشكلة أوسع تتعلق بقدرتنا على مواكبة تحديات المنطقة، وإذا كانت الحاجة إلى مشروعات كبرى تستلزم أن نمضي في سياسة توسعية، على الرغم من مشكلات المديونية وعوائقها، فإن البنية التحتية تصبح عنواناً رئيسياً في حالة قدرة الحكومة على الوصول إلى شركاء استراتيجيين والاستفادة من التجارب السابقة من أجل تجنب الأخطاء وتعظيم المكتسبات، فالفشل في محطة أو أخرى لا يعني أن هذه المقاربة خاطئة ولا يجب الإفادة منها بالمطلق.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان