عندما يشرع الفرد أبواب ذاكرته للصور القاسية فقط

هنالك الكثير من الناس الذين يعيشون تحت وقع الذكريات المؤلمة - (أرشيفية)
هنالك الكثير من الناس الذين يعيشون تحت وقع الذكريات المؤلمة - (أرشيفية)

ربى الرياحي

عمان- إحساس غريب يتسلل إلى روحه الواهمة المتفائلة دائما. لذا يأسره الاستمتاع بكل ما هو غامض ومجهول لدرجة أنه قد يطيل الشرح عن فكرة الأمان التي تطارده وتصر على احتلال أعماقه المضطربة أحيانا والساكنة أحيانا أخرى، عبثا حاول أن يلقي بأوهامه خلفه ويمضي، لكنه لم يستطع أن يفعل ذلك، ربما لأنه اعتاد أن ينكفئ داخلها كنوع من اقتناص الفرص التي يأبى انتظارها على أمل أن تتحول إلى حقيقة يمكنه ملامستها والتعايش مع تفاصيلها الآمنة على الأقل من وجهة نظره الشخصية.اضافة اعلان
لم يكن يتوقع أبدا الأسوأ رغم أنه محاصرة بكل الأشياء المؤلمة السيئة التي يحاول مرارا وتكرارا نسيانها وتخطيها لعله يستطيع الاستمتاع بلذة الأوهام والآمال الكبيرة والانسجام مع صدمة كل خيبة من الخيبات التي يعتبرها هو منفذ حقيقي لرؤية جديدة قادمة تمنح الحياة أجمل ما سيأتي وتبعده عن التذمر والشكوى حتى لو مؤقتا.
هو في قرارة نفسه يعرف جيدا أن في انتظاره هناك مفاجآت جميلة وأخرى حزينة وقاسية، لذلك يرفض الوقوف عند تلك اللحظة الآنية التي تجبره على الوجع من كل ما قد يتعرض له وسط تلك الفوضى العارمة التي تجتاح روحه الراضية القانعة بأن السعادة محكومة بمعرفة القليل القليل فقط.
قد يكون احتجاجه الدائم على أولئك الذين قرروا وبإصرار، أن لا ينحرفوا عن الطريق نابع من رفضه لمبدئهم في الحياة والذي يتلخص بالبحث المستمر عن الأسوأ بدون أن يفكروا ولو للحظة بما ينتظرهم من أشياء جميلة قادرة على أن تجنبهم تلك الأفكار السلبية الموجعة التي تستنزف هدوءهم وحاجتهم لاستعادة أمنيات وأحلام يئسوا من تحقيقها احتجاجه يأتي غالبا من رغبته في تجميل واقعه الذي وإن بدت ملامحه قاسية وصعبة، إلا أنه يستطيع حتما رؤيته كما يشاء هو بعيدا عن تلك الصور القاتمة المريرة التي تمنعه دائما من التفكير بإيجابية وتحد من تعاطيه مع أكثر المواقف سعادة فقط لأنه يؤمن بمجانية الصور الأليمة، ويصر على حضورها وخلق قواعدها بمنحها الصلاحية الكاملة لاقتحام ذاكرته والمكوث فيها أطول وقت ممكن محاولة بذلك انتزاع كل ما من شأنه أن يدفعه إلى الأمام ويقوي من ثقته بالقادم بدون أن يحمل الأيام مسؤولية ما يعيشه من ألم وتشتت.
ليس هناك ما يدعو إلى الفرح والابتهاج يقول له أحدهم بل أكثرهم لكنه لا يرضخ لمحاولاتهم الدنيئة ربما لأنه يعي جيدا أن ذلك كله حجج واهية يختلقها اليائسون المتذمرون لتبرير فشلهم وإخفاقاتهم وحتى لا ينتظر منهم الآخرون شيئا يخرجهم من ذلك الإحباط والتشاؤم بل يبقون أسرى لفرضيات قائمة في أساسها على التخمينات والتصورات المفتقرة غالبا لثقة حقيقية تنتشلهم من تلك الفوضى التي سمحوا لها أن تستوطن أرواحهم بملء إرادتهم لاعتقادهم بأن ذلك يعطيهم عذرا منطقيا يبعدهم كليا عن كل ما يستثير رغبتهم في مقاومة ظروفهم والتخطيط لحياة أجمل بعيدة تماما عن كل ما عاشوه في الماضي أو اختاروا أن يعيشوه محاولين بذلك إقناع ذواتهم بأن الانتظار لن يجدي نفعا وأن ما عليهم هو فقط أن يلزموا أماكنهم بدون أن يبالوا حتى بمرور الوقت الذي يفقدهم امتيازات جديدة قد يكتسبونها في حال تخلوا عن قناعاتهم السطحية الفارغة من كل شيء قد يمنحهم نظرة منصفة للواقع من حولهم تعينهم على استرجاع أمل ضائع يعيد إليهم ثقتهم بالحياة من جديد.