عن ساق البامبو

“ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمن بخس، بل الألم كل الألم أن يكون للإنسان ثمن” سعود السنعوسي/ساق البامبو.
غالبية متابعي العمل الدرامي الرمضاني “ساق البامبو”، إما من معجبي الرواية الأصلية والتي حازت على جائزة البوكر قبل ثلاثة أعوام، لمؤلفها الشاب الكويتي سعود السنعوسي. أو ممن سمعوا عن النجاح الساحق للقصة بعد نشرها و انتشارها الكبير. والمهم أن المسلسل الكويتي الذي منع تصويره وإنتاجه وعرضه في دولة الكويت لاعتبارات سياسية واجتماعية، يعتبر بالقياس المبدئي لمشاهدات الأعمال الرمضانية لهذا العام، من الأكثر متابعة واهتماما ونقدا وتأثرا. هذا الأمر يقودنا للموضوع الإنساني البسيط الذي تم طرحه بذكاء شديد في الرواية، وهو موضوع العنصرية المتأصلة في النفس البشرية شكلا وموضوعا وإحساسا، حتى لو غالبت الصورة الجميلة للنفس البشرية، والتي يتم تسويقها بانتظام وأحيانا بملل ثقيل، يحاول أن يمحو عن المشهد العام، هذه النقيصة غير الأخلاقية الممارسة باعتراف ضمني ومقبول من قبل المجتمع، المشارك في جريمة العنصرية تجاه الآخر، أيا كان وكيفما كان، المهم أنه آخر وليس نحن!اضافة اعلان
العمل سواء الروائي أو الدرامي، والذي وفى من خلاله المخرج المبدع محمد القفاص بوعده تجاه جمهور الرواية، فلم يعبث بتفاصيلها كما كان محط قلقهم، بسبب أعمال روائية سابقة أهينت على يد منتجيها في السينما والتلفزيون، هذا العمل حدد كما يبدو في الظاهر القضية، بنظرة المجتمع نحو العاملين الوافدين من شرق آسيا، وما تبعه من أحداث دراماتيكية معقدة. إنما وفي حقيقة الأمر، و ضمن قصص جانبية و لكن جوهرية، نجد أن المجتمع نفسه يعاقب نفسه بصور مدمرة للعنصرية، حين نشاهد و نلمس بأنفسنا حكاية المواطنة المنقوصة التي تعاني منها شرائح غير بسيطة في المجتمعات العربية، رغم انتمائها وولائها الكبيرين للوطن. ثم والتفريق ما بين الذكر والأنثى في المحبة والمعاملة و الأولوية والحظوظ. وأيضا التعالي على الطبقات الأقل اجتماعيا وماديا، عبر ممارسات يومية أصبحت عادية في جدول أعمال العائلات الكبيرة، حسبا أو مالا. كلها أوجه معيبة للعنصرية نعيشها إما فاعلين أو مفعولا بهم، ضمن مفردات مجتمعات تكذب في اليوم مائة مرة ، لتمسح عن وجهها البلاستيكي اللامع، غبار الحقيقة !
“كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى لتمتطيها، تحتقرها وتخفف بواسطتها من الضغط الذي يسببه الطبقة الأعلى فوق أكتافها هي “سعود السنعوسي/ساق البامبو.
ويبدو أن مشاهدة أعمال مثل “ساق البامبو” يمثل تطهيرا للنفس من بعض الشوائب العالقة بها، بسبب ممارسة العنصرية إما بقصد أو بالإعتياد المتوارث عن الأهل. فمتابعو المسلسل الجميل، كما غالبية قراء الرواية، إما يمارسون هذه العنصرية يوميا في حياتهم، تجاه الأيدي العاملة وخصوصا عاملات المنازل، أو ممن ينظرون للناس من عدسة الحسب والنسب واسم العائلة و العشيرة، أو حتى ممن يحتقرون المرأة ويمثلون بها بالتنكيت والسخرية والظلم والاستعباد. لهذا فقط نجحت الرواية ومن بعدها المسلسل التلفزيوني. لأنها تؤشر على نواقصنا المختبئة بمكر بين جنبات شعاراتنا ومبادئنا غير المفعلة. ولهذا أيضا نجحت أعمال خالدة لمؤلفين وشعراء و إعلاميين وأدباء، لم تنقصهم الشجاعة، ليواجهوا جمهورهم بظهر المرآة الأملس، فيروا صورهم الحقيقية جيدا، وبدون انعكاس فيزيائي! ربما خسروا أو يخسرون رضا أولي الأمر، إنما وفي هذه المواجهة الفظة، يكسبون أنفسهم أولا و جمهورهم دائما، على قاعدة بكيني مرة ولا تضحك الدنيا علي مرات.
“تمنحنا الطبيعة سعادة مجانية، لا ذنب للطبيعة لو فرض البشر رسوما مقابل ما لا يملكون” سعود السنعوسي /ساق البامبو أيضا!