مستقبل الأردن: دولة القانون أم استباحته؟

باتر محمد علي وردم

يا له من أسبوع طويل، لم يترك مجالا حتى لالتقاط الأنفاس. أعتقد بأن جميع الأردنيين سيحتاجون لوقت طويل في نهاية هذا الاسبوع لمراجعة ما مر بهم الأسبوع الماضي من أحداث متسارعة اثارت الكثير من القلق والأسئلة المشروعة حول كيفية تعامل الدولة بكل مكوناتها مع التحديات الداخلية والخارجية المتسارعة. ولكن السؤال الرئيسي الذي يدور في بال الجميع حاليا هو عن مصداقية سلطة القانون وقدرة الدولة على التعامل مع المواطنين بعدالة ومساواة وحماية الحياة العامة بشكل فعال. اضافة اعلان
ربما لم تكن انتخابات المجلس النيابي الثامن عشر هي أكثر الانتخابات النيابية إثارة في تاريخ الأردن وبالتأكيد كانت من أقلها مشاركة من قبل الناخبين. في واقع الأمر المجتمع الأردني هو الذي اختار هذا المجلس لأن نسبة 37 % التي اقترعت ساهمت في وصول مرشحيها المفضلين للمجلس ونسبة 63 % التي استنكفت ساهمت هي الأخرى في تسهيل فرص وصول المرشحين التقليديين وحرمان المرشحين الجدد الذين قد يحملون تغييرا جذريا من الوصول للمجلس. الانتخابات بشكل عام كانت حيادية باستثناء النقطة السوداء الوحيدة التي ستبقى عالقة وهي استيلاء مجموعة مسلحة على عدة صناديق في البادية الوسطى وعدم تمكن الهيئة المستقلة من تنفيذ وعدها امام الناس بإعادة الانتخاب في تلك الدائرة. تم تأكيد النتائج بدون اعادة الانتخاب مما يضع علامة استفهام كبرى على قدرة الدولة على توفير الحماية اللازمة في حال الاعتداء على الصناديق الانتخابية وبالتالي امكانية تكرار ذلك في المستقبل.
نتائج الانتخابات أشعلت الكثير من حالات تجاوز القانون سواء الغضب من النتائج الذي تمثل بالاعتداء على ممتلكات عامة أو الفرح بالنتائج والذي تمثل في الممارسات السيئة لاطلاق النار العشوائي مما نتج عنه سقوط ضحية في احتفالات بمناسبة فوز احد النواب في عمان. هذه التجاوزات تم التعامل معها بالكثير من رحابة الصدر من قبل الأمن، وربما يكون السبب في ذلك يعود إلى عدم الرغبة في خلق مواجهة أمنية مع مجموعات اجتماعية كبيرة ومسلحة مما قد ينتج عنه سقوط ضحايا وتداعيات غير حميدة، ولكن في المقابل على الدولة مسؤولية لا يمكن تجاهلها في حماية مواطنيها في كل مواقعهم من الأخطار التي يسببها الانفلات الأمني وخاصة استخدام الأسلحة. إمكانية وقوع ضحايا نتيجة اطلاق النار العشوائي احتفالا بالمناسبات لا تقل ابدا عن امكانية وقوع ضحايا لعمل إرهابي او جريمة منظمة.
الحدث الأسوأ كان أن شهد الأردن أول حادث اغتيال سياسي لمواطن أردني منذ تأسيس الدولة. قرار مواطن أردني متعصب ومنفعل بقتل مواطن أردني آخر ربما كان فعلا فرديا غير مسبوق في تاريخ البلاد ولكن ما سبقه من سيناريو التحريض السياسي والديني وما تبع ذلك من ردود أفعال همجية تدعم الجريمة وتعتقد أن الضحية الزميل ناهض حتر رحمه الله كان يستحق ما حدث له هو نقلة نوعية سلبية ومخيفة في طريقة تفكير المواطن الأردني. صحيح أن هذه الآراء قد تكون معزولة وتعبر عن أقلية لكنها بدون شك تقرع جرس انذار أمني كبير لأن كل شخص من هؤلاء لا يعترف بحق الآخر في الحياة في حال اختلف معه بالرأي قد يشكل مشروعا لقاتل جديد ان توفرت الجرأة والسلاح.
الشعور بالقلق الذي ينتاب نسبة كبيرة من الأردنيين في هذه الأيام مبرر ومنطقي، ومرده الشعور بأن حرص الدولة على تطبيق القانون بعدالة وحزم ومساواة لا يبدو في أفضل حالاته. ينتظر الجميع ردة فعل قوية ومطمئنة من كافة مؤسسات الدولة لمنح المواطنين وبخاصة الملتزمين منهم بالقانون بأن الأولوية ستكون لحماية القانون وليس توفير الغطاء لمن يستبيحه، وهذا ينطبق على الممارسات الإدارية والسياسية والأمنية ايضا. معادلة الولاء مقابل الانتماء لم تعد قابلة للاستمرار في الأردن الجديد بل هي معادلة الثقة مقابل الانتماء، وطرف المعادلة المتعلق بالثقة يحتاج إلى الكثير من العمل.