وكأن الجميع يغشون!

يقول دان أريلي في كتابه "The (Honest) Truth About Dishonesty"، والصادر في العام 2013: تسوق سلوكنا كبشر قوتان متضادتان، هما: رغبتنا في رؤية أنفسنا أننا شرفاء، أو أناس طيبون أو نزيهون، وأن رؤية أنفسنا في المرآة تدل على ذلك، كما يدل عليه أيضاً شعورنا الإيجابي نحوها، أو ما يسميه أريلي بالدافع الذاتي (Ego Motivator). وهناك رغبتنا في الاستفادة من الغش (بمعانيه المختلفة)، للحصول على أكبر قدر من المنفعة أو المال (Financial Motivator). اضافة اعلان
وعندما تتصادم الرغبتان، نلجأ إلى الموازنة بينهما؛ فنقوم بعملية تبرير لاختيار إحداهما. وفي سبيل ذلك، نتلاعب بالحدود الأخلاقية التي نؤمن بها. فإذا تبين لنا -مثلاً- أننا نستطيع أن نغش من دون إلحاق أذى بصورتنا في نظر أنفسنا أو في نظر المجتمع، فإننا نغش.
إن كثيراً من العاملين في أجهزة الدولة أو في المؤسسات أو الشركات في العالم، يأخذون (يسرقون) ماعون ورق أو أقلاماً أو دباسة، أو يصورون وثائق خاصة بهم أو بأولادهم، وأحياناً كتباً جامعية لهم، بآلات التصوير في تلك المؤسسات، مع أنه لا يحق لهم ذلك. أو يحصلون على مياومات سفر من بلدانهم، مع أنهم حاصلون عليها من الجهة الداعية لهم. أو يتغيبون عن الحضور بحجة المرض أو النسيان، مع أن الأمر ليس كذلك. لكن الواحد منهم قد يتصرف كالأب الأميركي الذي غضب على طفله الذي اتهمه معلمه بسرقة قلم زميله، قائلاً إنه مستعد لشراء كل الأقلام له كي لا يسرق أو يغش، مع أن هذا الأب يأخذ ما تيسر له من أملاك الشركة من ورق وأقلام... وهو عائد إلى المنزل.
عندما يراقب المرء سلوكه، فإنه يجد أنه ما من أحد بريء مئة بالمئة، وأن بوصلته الأخلاقية تروح وتجيء حسب الموقف قبل الغش، أو في أثنائه أو بعده، وأن الإشارة الحمراء قد تتحول إلى خضراء بفرصة النجاة.
يقول أوسكار وايلد: "الأخلاق كالفن؛ أي أشبه برسم خط في مكان ما".
إن الموازنة أو التبرير بين رغباتنا المتناقضة، أو بين الدافعين السابقين، هما صنعتنا الدائمة؛ أي إنه لا يوجد واحد منا ملاك تماماً، كما يحب بعضنا أن يظهر أو يتظاهر.
أما أفضل وسيلة للتخفيف من الغش والخداع والخيانة، فاستدعاء المعايير الأخلاقية في تلك اللحظة، لأنها معلقة على الجدار، أو وجود مدونة سلوك، أو ميثاق شرف موقع عليه ومقسم عليه من ذوي العلاقة، أو التوقيع المسبق المشفوع بالقسم قبل كل امتحان. وإن كانت كل هذه الضوابط لا تمنع الغش مئة في المئة، لكنها تقلله إلى حد كبير.
أما أحد أخطر عوامل الغش، فغش المسؤول والوزير، ومعرفة العاملين لديه عن ذلك، لأنه يدفعهم إلى تقليده. ولعل هذا العامل كان وراء الفساد الكبير في عدد من الشركات الكبرى؛ الأميركية وغير الأميركية.
لقد حل محل قول الشاعر شكسبير في إحدى مسرحياته: "أن تكون أو لا تكون.. هي المسألة" (To be or  not to be that is the question) قول جديد هو: "أن تغش أو لا تغش.. تلك هي المسألة" (To cheat or not to cheat that is the question)