صحافة الوجود لمجرد الوجود..!

علاء الدين أبو زينة لم يكن الاحتفال بـ»اليوم العالمي لحرية الصحافة» بداية هذا الشهر احتفالاً باستقلال هذا القطاع الحيوي كسلطة مالكة لقرارها وأدواتها. كانت الفكرة هي إعادة التذكير بوضع الصحافة التي تناضل بيأس، في مختلف أنحاء العالم، للتخلص من استعمارها ومن أجل حريتها المستلبة. وثيمة المناسبة الأممية هي «الدفاع عن وسائل الإعلام من الاعتداءات المستمرة على استقلالها»، بحسب الأمم المتحدة. بطبيعة الحال، تختلف أوضاع الحريات الصحفية في العالم من بلد إلى آخر –بطريقة تعكس خصائص المجتمعات المختلفة التي تنشط فيها هذه الصحافة. في المجتمعات الحرة تكون الصحافة حرة. والصحافة الأسيرة نتاج مجتمعات مستعبدة. وفي الأخير، يعرِّف «مؤشر حرية الصحافة العالمي» الذي يرتب هذه الحرية على سلم من 180 مرتبة ليعرِّف بشخصيات الدول والمجتمعات ككل. تعكس حرية الصحافة حال الأمم لأنها ينبغي أن ترسم الصحافة، بأدواتها ووصولها، صورة تشبه الواقع السياسي والاجتماعي الذي تنشط فيه. فإذا كانت الصحافة باهتة، باردة وفقيرة المحتوى، فإنها تكون نتاجاً لواقع سياسي واجتماعي بائس، ممنوع من التعبير عن نفسه لعَيّ اللسان جهلاً، أو لقصره قمعاً. وستعكس مجتمعاً ممنوعاً من معرفة الحقيقة أو تداولها والتحاور حولها، قطرياً وعمودياً. وسوف تكرر الصحافة المقيدة «حقائق» مقررة، لا يجوز نقدها أو تحليلها أو اقتراح بدائل عنها. الصحافة بنت مجتمعها. حالها تغذية راجعة لحاله. والعاملون فيها مواطنون، يتحدد ما ينتجونه بنفس الأطر التي تحكم سوية التعبير الاجتماعي. وهي، في حالة تجريدها من إمكانية توظيف إمكانياتها التنويرية والتحليلية والمحرِّرة للعقل، عالة حتى على وجودها نفسه. إنها تصبح كائناً بلا وظيفة: لا تضيف ولا تعرض حالاً، ولا تنتج سلعة مطلوبة قابلة للتسويق يمكن أن تديم نفسها من بيعها. وعند نقطة معينية، يصبح مجرد وجودها هو الغاية الأساسية والوحيدة. وستعيش بآلية غريزة البقاء، بلا روافع، ولا منافسة، ولا ابتكار ولا تأثير، ولا من يستمع أو يهتم. وهو واقع محبط، فردياً وجمعياً. فردياً، لا يرى العاملون في الصحافة عملهم وهو يؤثر بطريقة يُعتد بها على مسيرة بلدانهم ومجتمعاتهم. إنهم يرونه خاضعاً لإرادة أعضاء بقية السلطات الذين يقررون عدم إعطاء الصحافة الحرية التي تضع عملهم تحت ضوئها الكاشف، ويتعقب عيوب أدائهم، ويجري استفتاء شعبياً دائماً على قراراتهم وعرض العاطفة الشعبية – رضا أو استياء. ويبدو أن أحداً لا يُريد أن يعطي لمراقب موضوعي سلطة رقابية، حتى لو كانت هذه الرقابة إحدى الضمانات الحتمية لإنهاء الفساد ورسم الصورة الكلية الحقيقية التي يحتاجها صانع القرار قبل المواطن. ومن المؤسف أن يتحدد حال الصحافة دون غيرها باختيارات بقية السلطات، فيراقبها الجميع ولا تراقب أحد. ويقول هذا كل شيء عن نوعية القرار الوطني بشأن النية الحقيقية للإصلاح أو عدمه. ثيمة احتفال هذا العام هي «الصحافة تحت الحصار الرقمي». وقد أضاف البعد الرقمي مشكلات جديدة إلى عمل الصحافة. من ناحية، تعددت مصادر الأخبار بحيث أصبحت الصحافة الفضائحية وصحافة الإشاعات تبيع أكثر من منافذ الإعلام الرصينة التي حرمت من عوائد الإعلان وقدرة التفاعل مع الرأي العام. ومن ناحية أخرى، يخضع المحتوى الصحفي إلى المزيد من رقابة الحكومات وتُطبق عليه قوانين مراقبة الإنترنت، للمزيد من التضييق على الحرية الصحفية. وتسلط ثيمة الاحتفال الضوء على «على التحديات المتصلة ببقاء وسائل الإعلام في العصر الرقمي ونجاحها، والتهديدات التي تقوض ثقة الجمهور بها نتيجة الرقابة والهجمات الرقمية على الصحفيين، وعواقب ذلك كله على ثقة الجمهور في الاتصالات الرقمية». ماذا تفعل الصحافة غير الحرة المخنوقة بالرقابة بشأن ثقة الجمهور عندما يُفرض عليها أن تبدو له منافقة ضحلة المحتوى إلى حد لا يستحق معه الشراء؟ إنه حكم بإفلاس الصحافة والعاملين فيها، وضمان لكساد سعلتها المفرغة من القيمة. وإذا وضعك مؤشر الحرية الصحفية في المرتبة 120 من أصل 180 لهذا العام. فإنه يقول لك أن عملكَ راسب، وليس حتى قريباً من النجاح «على الحافة» قريباً من 90. وليت المسألة أن عليك تدرس مساقات الصحافة بجدية أكبر حتى تنجح في امتحان العام الجديد. إن عليكَ أن تكتب الإجابات الخاطئة التي تضمن رسوبك مرة أخرى، لمجرد ضمان بقائك في الامتحان وتجنب الإجابات التي ستفصلك منه جملة وتفصيلاً. المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان