أي "ناتو" عربي..!

يتكرر بين الحين والآخر اقتراح تشكيل «ناتو» عربي. والمقصود إبرام معاهدة دفاع مشترك بين الدول العربية على غرار معاهدة حلف شمال الأطلسي، أو حلف وارسو السابق.

اضافة اعلان

والهدف: التكامل العسكري بهدف الاحتماء بالمجموع والدفاع عن الأعضاء المشاركين من أي اعتداءات خارجية. ويتطلب إنشاء مثل هذا الحلف انسجاما في النظرة العالمية وإيمانا بالمصلحة المشتركة لدى الأعضاء في مواجهة التكتلات الأخرى الساعية إلى الهيمنة.


ثمة مشكلة في فكرة «الناتو» العربي هي أنها لم تعد تأتي من مبادرة عربية، وإنما تقترحها غالبا الولايات المتحدة.

وتكوينه مشروطا بموافقتها ومُعرّف بما يخدم مصلحتها –ومعها بالتأكيد وكيلها في المنطقة، الكيان الصهيوني.

وهكذا يكون مثل هذا الحلف العسكري مكشوفاً سلفاً وغير قابل للصمود أمام التحالفات والقوى الإقليمية والدولية الأخرى، ولا يمكن أن يتناقض مع «الناتو» الغربي أو الكيان الصهيوني –بل سيكون رديفاً تابعاً لهما. وغني عن القول أن تحالفاً هذه شروطه لا يخدم أي مصلحة عربية تمكن مشاهدتها.


لا تبدو فكرة التحالف العسكري العربي قابلة للتحقيق حالياً لأن الانسجام الفكري وتقاسم النظرة العالمية غائبان عن التكوين العربي.

وينتج ذلك عن غياب إرادة التكامل، وتباين التبعيات العربية القطرية لمراكز القوى والأفكار المتختلفة في العالم. ولا يرى العرب (الرسميون) لأنفسهم مصلحة في وحدة إقليمية أو قومية أو براغماتية، وإنما ينخرطون في منافسة جذرية عربية-عربية بما يُضعف الجميع.

ولم يسبق أن نجح العرب في تحقيق أي شكل من التعاون أو التكامل في الاقتصاد أو الجغرافيا أو التنقل، ولم يعملوا بأي قدر من الجدية على محاولة تحقيقها على الرغم مما فيها من مصلحة. وكانت تجارب التحالفات موضعية وتنافس عرباً آخرين.


إذا قلتُ أن قوى الهيمنة عملت منذ أيام الاستعمار المباشر –وما تزال- على تفتيت المنطقة العربية لضمان إخضاعها، سيقترح البعض أن هذه فكرة مدرسية مملة قصدُها التذرُّع.

وسيقول آخرون أن تبعيتنا بنيوية أو جينية –بل أننا لسنا أمة ولا قومية، والعروبة مختلَقة وملفقة. لكنّ فكرة «فرق تسد» ليست غريبة عن الفلسفة السياسية كسلاح مجرب لإضعاف المنافسين المحتملين وتأكيد الهيمنة.

ومع كل ما يقال عن «اختلاف» بين العرب إلى حد الزعم بأنه ليس هناك شيء مثل لغة عربية مشتركة، وأن اللهجات المحلية لغات قومية، فإن بالوسع العثور على مشتركات بين سكان المنطقة أكثر من أي قومية أو كتلة بشرية أخرى في العالم تقريباً.

وحتى في الأقاليم حيث تختلف لغات الناس وأديانهم وأعراقهم، فإنهم يبتكرون شكلاً ما من تحالفات المصلحة لمساعدة أمنهم وازدهارهم.


الآن يجري الحديث عن «ناتو شرق أوسطي»، لهدف واضح هو ضم الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني إلى العرب في معاهدة دفاع مشترك! وهو أغرب اقتراح يمكن تصوره على الإطلاق.

ليس الهدف بوضوح هو تقوية موقف العرب في الإقليم والعالم، وإنما المزيد من تطبيع الكيان وخفض التهديد الذي قد يتعرض له. والمعروف أن نشوء الكيان كان السبب في تغيير كل التوازنات ضد العرب، وإطفاء نشوة النهضة والتحرر من الاستعمارات، وإصابة الروح العربية بالهزيمة والإحباط.


لا يمكن التفكير في أي مشترك حقيقي بين العرب والصهيونية –سوى العداء المتبادل والتضارب المثالي للمصالح. إنه كمن يضع الأفعى في فراشه. وكانت الخصومة –المكتشفة حديثاً- بين العرب/ السنة، وإيران/ الشيعة، هي الذريعة غير المتوقعة لتبرير التحالف.

ولكن، إذا أمكن اعتبار إيران تشكل تهديداً للعرب، فإن ذلك لا يجعل الكيان الصهيوني أقل تهديداً، ناهيك عن جعله حليفاً محتملاً. وإذا كان الهدف المعلن هو منع إيران من (احتمال) امتلاك سلاح نووي يهدد الأمن العربي، فإن الكيان يمتلك ترسانة نووية مؤكدة مقرونة بالعداء التاريخي والاختلاف الجذري بين الصهاينة والعرب.


التحالف العسكري العربي هو حلم لطالما راود المؤمنين بأن فرصة العرب الوحيدة لتحقيق الأمن والتقدم في عالم شديد المنافسة هو استدعاء المشتركات لتكوين اتحاد، منظمة، أو إطار تنسيقي حقيقي –ليس كالجامعة العربية.

وسوف ينطلق مثل هذا التحالف من دافع ذاتي إلى التكامل وتوظيف كل الإمكانات بهدف تخليص الجميع من التبعية والتهديد، وتكوين شخصية من موقع الند تفرض نفسها وتحمي مصالحها. وستصلح العروبة كهوية جامعة وصرخة «تحشيد حول العلم». وسوف يصنع هذا التحالف سلاحه ويزرع قمحه، ولن يبتزه أو يهدده أو يملي عليه شروطه أحد.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا