اقتصاديا.. تحديات تلوح بالأفق

سلامة الدرعاوي مع استعداد الحكومة لإنهاء مشروع قانون موازنة عام 2023، تلوح بالأفق جملة من التحديات الداخلية والخارجية التي ستشكل هاجسا لراسمي السياسة الاقتصادية في المرحلة المقبلة والتي ستكون أيضا عناوين مهمة في المشهد الاقتصادي المقبل. ارتفاع أسعار الطاقة وتحديدا النفط لمستويات قريبة من الـ100 دولار سيفرض تداعيات مالية جديدة على الخزينة خاصة إذا ما استمرت التوجهات بالعودة لإجراءات تثبيت أسعار المحروقات كما فعلت الحكومة في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام والتي كلفت الخزينة دعما ماليا جديدا بقيمة 550 مليون دينار لغاية يومنا هذا، الأمر الذي ساهم سلبا في إعادة النظر ببعض بنود النفقات الرأسمالية في موازنة العام الحالي وإعادة تبويب ومناقلات بعض مخصصاتها لتغطية هذا الدعم الطارئ، وإذا ما استمر المشهد النفطي على ما هو عليه الآن فإن ذلك سيخلق تبعات مالية إضافية على الاقتصاد ينعكس مباشرة على المديونية والعجز. عدم وضوح الرؤية الاقتصادية في المشهد العالمي مع تطورات الحرب الروسية الأوكرانية والتداعيات المقلقة على الاقتصاد العالمي من حيث أسعار الطاقة وتقلباتها الحادة، وإمدادات الغاز والغذاء العالمي وكلف الشحن، كلها تداعياتها مستمرة وسريعة على الاقتصاد في حال عدم ثباتها أو تراجعها. وهذا يقود بشكل مباشر لخطورة المشهد المحلي نتيجة ارتفاع أسعار التضخم وانعكاساته على الأمن المعيشي للأردنيين خاصة وأن أكثر من 85 % من احتياجات السوق المحلية مستوردة من الخارج، فأدوات الحكومة لمواجهة التضخم وتعزيز الأسواق واستقرارها من الناحية السعرية محدود للغاية إن لم يكن معدوما في بعض الحالات، فلا قدرة مالية لزيادة الرواتب، ولا لتقديم دعم مباشرة للسلع، ناهيك من أن أيضا لمواجهة التضخم فإن أسعار الفائدة سترتفع في المرحلة المقبلة، كلها سيكون لها تداعيات سلبية على الأمن المعيشي للمواطنين بالدرجة الأولى، وبالتالي أي إجراء مالي حكومي لضبط المشهد السابق سيكون مكلفا على الخزينة التي ستواجه أيضا تحديا كبير العام المقبل في زيادة توفير مخصصات الرعاية الاجتماعية لمواجهة تداعيات التضخم. والأمر الآخر هو التحدي في جذب استثمارات جديدة، فالأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة قد تشكل تحديا وعقبة أمام أي جهود لجذب الاستثمارات الأجنبية، فالتدفقات المالية قد تواجه صعوبات في المرحلة المقبلة. ولا ننسى أيضا أن موازنة عام 2023 ستخلو للمرة الأولى من المساعدات العربية وتحديدا الخليجية منها، مع نفاد انتهاء مساعدات إعلان مكة هذا العام، بعد أن كانت تشكل جزءا أساسيا من هيكل المساعدات في قانون الموازنة العامة، خاصة إذا ما نظرنا اليوم إلى هيكل المنح في الخزينة والتي يبلغ مجموعها ما قيمته اليوم 848 مليون دينار، منها 599 مليون دينار من أميركا، و60 مليون دينار من أوروبا، وخليجية بقيمة 55 مليون دينار، ومساعدات متفرقة بقيمة 26 مليون دينار والباقي 108 ملايين آخر دفعة من مساعدات إعلان مكة. المؤشرات السابقة كلها مرتبطة أيضا بتوقعات استمرار ضعف الطلب العالمي ودخول بعض اقتصادياته الفاعلة في حالة انكماش مما قد يساهم في خلق تحد جديد أمام الصادرات الوطنية، التي بالأساس تواجه تحديات كبيرة لاختراق الأسواق المختلفة. الحكومة لا تستطيع التحرك كثيرا في تغيير نفقاتها والتزاماتها، فلا مساس بالرواتب أبدا، ولا استغناء عن أي موظفي في الدولة، بل العكس هناك تعيينات تتم لأغراض غير اقتصادية أبدا، ونفقات متزايدة لتلبية مطالب شعبوية في كثير من الأحيان مثلما هو الحال في عدم السيطرة الواضحة على فاتورة الإعفاءات الطبية التي قاربت كلفتها على الـ250 مليون دينار. ليس من السهل أبدا إعطاء صورة واضحة للمشهد الاقتصادي القادم، فالتطورات متسارعة ومتقلبة بين ليلة وضحاها، والحذر والتحوط قد يكون أقل السيناريوهات تجنبا للأزمات الطارئة. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا اضافة اعلان