حرب واحدة في ساحات مختلفة

من المتعارف عليه تاريخيًا، أن يكون هناك أمر دارج، يعتاد عليه البشر أو نسبة كبيرة منهم، أو عادة مُكتسبة، يمُارسها أكثرية الناس، أو مقولة تُلاك بالأُلسن، وتُصبح حديث الساعة.. وذلك ينطبق على ما برز خلال الأيام الماضية والحالية على الساحة الدولية، خصوصًا السياسية منها، والذي يتمحور حول مقولة قائمة على الكذب والخداع تتمثل بـ»الدفاع عن النفس».

اضافة اعلان


فمنذ السابع من شهر تشرين الأول (اكتوبر) 2023، والكيان الصهيوني الغاصب يُردد عبارة «الدفاع عن النفس»، ليُبرر ارتكابه المجازر الجماعية والإبادة بحق الأهل في قطاع غزة.. وما قام به الاحتلال الإسرائيلي، من قول أو فعل، تُطبقه حرفيًا الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، مُرددتين نفس العبارة لتبرير «الإجرام»، الذي تقترفانه بحق اليمن.


هذا من ناحية، ومن جهة ثانية فإن إدارة البيت الأبيض، منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، وهي تُردد، صباحًا مساء، وفي كُل مناسبة ولقاء، وجوب عدم توسيع رقعة الحرب أو العدوان الإسرائيلي.. وما وجود بوارجها الحربية، في شرق البحر الأبيض المتوسط، بما تشتمل عليه من طائرات مُقاتلة، وغواصات نووية، وصواريخ جُلها حديثة، إلا دليل على مضيها قدمًا بضرورة عدم «اتساع» تلك الحرب، لكن من قبل أطراف أُخرى في المنطقة، وما ينطبق على هذه الأطراف، حتمًا فإنه لا ينطبق عليها.


وما يؤكد صحة تلك الكلمات، إقدام واشنطن وشريكتها بالإجرام (لندن)، قبل أيام، بتوجيه ضربة عسكرية على عدة مواقع في اليمن، قالت عنها إنها «قواعد عسكرية لجماعة الحوثيين».


الضربة العسكرية الأميركية- البريطانية تلك، تحتمل عدة رسائل أو إشارات، فقد تكون رسالة موجهة إلى إيران، قائمة على تحذيرها بألا تتجاوز خطوطًا حمراء، رُسمت بين الجانبين، أكان بشكل مُباشر أم من خلال وسطاء.. وقد تكون «عربدة» أميركية، هدفها استمرار «استفراد» الكيان الصهيوني بقطاع غزة وأهله، وفي الوقت نفسه إيصال رسالة لجميع الأطراف في المنطقة، بأن بلادكم وقواعدكم العسكرية في مرمى نيران قواتنا، في حال أقدمت على ردة فعل، لا تتوافق وأهواءها.


أما تصريحات أركان البيت الأبيض، ووزراتي الخارجية والدفاع (البنتاغون)، حول ضرورة «عدم اتساع رقعة الحرب»، فهي عبارة عن «تعبير دبلوماسي كاذب».. فأميركا هي من أقدمت على توسيع تلك «الرقعة»، من خلال توجيه ضربة عسكرية إلى اليمن، أو كما يحلو لها أن تُسميها إلى «الحوثيين»، والتهديد بتوجيه ضربات أُخرى، مع أن الحوثيين يؤكدون باستمرار أنهم يستهدفون السفن المُتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلة فقط، ويشددون على أن هذا الأمر ينتهي، بمُجرد «إيقاف الحرب، وإدخال المُساعدات الغذائية والطبية والوقود إلى القطاع».


بفعلتها الشنيعة تلك، فإن الولايات المُتحدة «تُصعب» الموقف في البحر الأحمر، وكأنها تقول للاحتلال الإسرائيلي: «استفردوا» أكثر وأكثر بغزة، التي أصبحت «ضحية» للاستفراد الأميركي الصهيوني، وفي نفس الوقت تؤكد أنها ستكون شرطيًا يحمي من يُفكر بالتدخل أو توسيع الحرب.


تُدرك واشنطن، ومن لف لفها، أن أقصر الطرق لأمن واستقرار المنطقة برمتها، هي الذهاب إلى غزة ووقف الحرب عليها، ولكنها لا تُريد. ولا يحتاج المرء إلى الكثير من الذكاء والفطنة، ليصل إلى نتيجة بأن أميركا، وبمُعاونة دول الاستعمار، وأداتها القذرة (الاحتلال الإسرائيلي)، يسعون جميعًا من أجل تحقيق هدف واحد، يُخطط له منذ أعوام عديدة، يتمثل بـ»خلق» منطقة شرق أوسط جديد.


فالبيت الأبيض ماض، وبكُل قوة وغطرسة، في ترتيب الإقليم، بما يتوافق مع مصالحه وأهوائه، ولما فيه خير للكيان الصهيوني فقط!.. لذلك ترى أركان الإدارة الأميركية يضغطون هُنا أو هُناك، ومن غير المُستبعد بأنهم يلوحون بالعصا والجزرة، لإنجاز ما خُطط له. وكأنها «حرب واحدة في ساحات مُختلفة».

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا