رياح التغيير تكشف المستور وتستدعي "مرحلة معدلة" من حرب غزة

يبدو أنها رياح التغيير!

  وأن المرحلة الراهنة مرشحة للكثير من التغيرات التي فرضتها تطورات حرب غزة، وما أظهرته من تميز للمقاومة الفلسطينية في القطاع ، وإلى حد ما في باقي مناطق الضفة الغربية. فقد تمسكت حكومة الحرب الإسرائيلية بما اعتبرته ثوابتها الخاصة بأهداف الحرب، قبل أن تتعرض إلى موجات تشكيك بالقدرة على تحقيقها على وقع إنجازات المقاومة، وفي ضوء رفض عنيف على مستوى الداخل الإسرائيلي أولا، والعالم ثانيا. وعلى شكل انقسامات وتقاطع رؤى ومصالح. ساعد في بروز تلك الحالة بهذا المستوى من الحدة كم الخسائر التي مني بها الجيش الإسرائيلي، وإخفاقاته في تحقيق أي نصر يمكن اشهاره في وجه المعارضة التي تتمسك بحقها في أن تعترف الحكومة بإخفاقاتها، وتتراجع عن أهدافها المعلنة التي صنفتها بعض التحليلات ضمن إطار المستحيلات، ومنها القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وتحرير الأسرى بالقوة، وقتل المدنيين وتهجيرهم إلى جنوب القطاع لهدف عميق يتمثل بضرب البيئة الحاضنة للمقاومة ودفع تلك الحاضنة للانقلاب على المقاومين تحت ضغوطات القتل والتدمير والجوع والفاقة وعدم توفر الحد الأدنى من عناصر الحياة طبيا وغذائيا وغيره.

اضافة اعلان


فالأرقام تتحدث عن تدمير 70 بالمائة من مباني القطاع وكافة مرافقه، وقتل أكثر من 22 ألف شهيد من بينهم تسعة آلاف طفل و 6500 امرأة. وسبعة آلاف مفقود، وقرابة الخمسين ألف جريح، حيث اقتصرت" المنجزات الإسرائيلية" على أمور لا تحتسب ضمن عناصر التميز في المقاييس العسكرية، وإنما تصنف كجرائم حرب.


في المقابل، ارتفاع حجم الخسائر في الجانب الإسرائيلي، فبحسب إحصاءات غير رسمية تجاوز عدد القتلى من جيش الاحتلال 8400 قتيل، ومن المرتزقة والجيش الأميركي والفرنسي والبريطاني والإيطالي ممن يشاركون في الحرب إلى جانب الصهاينة 2500 قتيل. وبلغت كلفة الحرب 52 مليار دولار، من بينها الخسائر الاقتصادية المباشرة.


الخلاف الداخلي بين أقطاب حكومة الحرب خرج إلى العلن في أكثر من مناسبة، وتداولته الصحافة ووسائل الإعلام. وبين نتنياهو والبيت الأبيض لم يعد سرا، وبين القيادات العسكرية والسياسية على خلفية اتهامات بغياب الأفق السياسي للمرحلة الراهنة، ولما بعد انتهاء الحرب. كل تلك التفاعلات أسهمت بولادة عسيرة لتحول يراه البعض شكليا، ويتعامل معه البعض الآخر من زاوية أكثر جدية وعمقا وصولا إلى إجراءات عسكرية من بينها تخفيض عديد القوات المشاركة في الحرب، وتسريح غالبية قوات الاحتياط إما بسبب ارتفاع حجم الخسائر في الآليات" 825 آلية"، والأرواح أو تحت مسمى الدخول في المرحلة الثالثة من الحرب، والتي تضغط الولايات المتحدة للانتقال إليها رغبة في تغيير صفة المواجهة وإظهار الحد من العنف ضد المدنيين.           

                                                                                                                                                                 رياح التغيير التي هبت" داخليا وخارجيا" وامتدت إلى أرض المعركة كشفت ضمنا عن تعديلات لم تكن بعيدة عن مستوى التفكير على نطاقات واسعة، حيث تلتقي مع الأهداف الصهيونية التي تشكل برنامج اليمين الإسرائيلي الحاكم.


فقد أعلن نتنياهو أن قطاع غزة لن يكون إلا تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، ما يعني نوايا احتلال القطاع، وإطالة أمد الحرب بحيث تتحول المواجهات إلى غارات نوعية تستهدف المقاومة تحت الأرض وفوقها. وقبل ذلك استخدام كافة الوسائل من أجل احتلال القطاع والتركيز على منطقة" مثلث فيلادلفيا" وهي المنطقة الملاصقة لحدود القطاع مع الجانب المصري.                     

                                                                                  وبرر نتنياهو تلك الخطوة بمنع عمليات تهريب الأسلحة للمقاومة، وعلى نطاق أوسع إخضاع القطاع إلى سيطرة جيش الاحتلال والتعامل طويل الأجل مع فصائل المقاومة.

 

وبينما أكد نتنياهو عدم السماح بعودة المهجرين من شمال القطاع إلى بيوتهم المهدمة أشار إلى ضرورة إقامة مستوطنات في العديد من مناطق غزة أسوة بتجربة الضفة الغربية، والبدء بإعادة المستوطنين إلى غلاف غزة وفي مناطق الشمال.


وفي مسعى آخر وضمن ما يمكن وصفه بتقاسم الأدوار في التصريحات يكشف بعض أركان حكومة الحرب عن هدف أبعد من ذلك، ويتمثل بتفريغ القطاع من سكانه. حيث أعلن وزير المالية عن توجه لتشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين من سكان غزة. وتسربت معلومات عن توجه للتعاقد مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ليتولى مهمة إقناع دول غربية بتشجيع الفلسطينيين على الهجرة لتلك الدول.


كل ذلك يؤشر أن" المرحلة الثالثة" تعني عمليات احتلال وتهجير.. الأمر الذي ترفضه المقاومة وتؤكد أنها أعدت العدة لمواجهة تلك الطروحات وأنها قادرة على منع اليمين الصهيوني من تنفيذ تلك المخططات.                                                                                                                   وما يعني أن" المرحلة الثالثة" التي بدت وكأنها خطة معدلة ستكون بداية لـ" مشوار" جديد من المواجهة، تدعمه الولايات المتحدة في بعض الجوانب، وتتحفظ على جوانب أخرى منه. ويبقى الحسم بيد المقاومة أولا، والداخل الإسرائيلي ثانيا، حيث تحول إلى المطالبة بإسقاط حكومة ائتلاف اليمين ويمين الوسط، وتمسك بتحرير الأسرى بموجب صفقة يرفضها نتنياهو، لكنه يفوض بعض أركان فريقه بالتعامل مع مفرداتها دون التفريط بشعاره" لا وقف دائم للحرب". مقابل شرط المقاومة « لا مفاوضات حول الرهائن قبل وقف دائم للحرب". وشروط أخرى.                  
وسط تلك الصورة هناك من يرى أن حكومة الحرب التي لم تعد" يدا واحدة" غير قادرة على فرض شروطها. وأن وقفا لإطلاق النار لا بد أن يحدث، وأن أفقا سياسيا لا بد من الإعلان عنه خلال عدة أشهر. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا