قراءات ما بعد "الطوفان".. خطأ إستراتيجي أم تهويش إعلامي؟

صورتان، متقاطعتان، تتقاسمان المشهد “الغزي”. الأولى صورة ترسمها حكومة الحرب الإسرائيلية، وبعض من بقي على انحيازه لها. والأخرى ترسمها المقاومة الفلسطينية.     

اضافة اعلان


الأولى حول قطاع غزة بعد حركة حماس، وتركز على عموميات تتعلق بمستقبل القطاع ومرجعية الحكم المنتظرة هناك، وسط بيانات متناقضة، يميل بعضها إلى إعادة احتلاله من جديد وفرض ما يسمى”الإدارة المدنية عليه”. بينما البعض الآخر يرى أن احتلاله يزيد من تعقيد الأمور، ويفرض واقعا أكثر سوءا من ذلك الذي كان سائدا والذي دفع إلى حدوث “طوفان الأقصى” وما أعقبه من أحداث مرشحة للاستمرار طويلا.         


أما الثانية، فتتمثل بما يجري على الأرض من تسجيل المقاومة لإنجازات أصبحت حديث الشارع على مستوى عالمي، وموضوعا لتقارير إعلامية ومواد للتواصل الاجتماعي أسهمت في تغيير الصورة وتصويبها بعد أن حاولت حكومة الحرب ووسائلها الإعلامية نقلها بصورة مغلوطة. وهي صورة تجعل من المستحيل على تل أبيب ومن يناصرها الوصول إلى مستوى تحقيق ما تصبو إليه.                                                                                       

 

 فالمعطيات تؤكد أن المقاومة وعلى رأسها حركة حماس ما زالت قادرة على إدارة المواجهة وإيقاع خسائر مهمة بالطرف الآخر، الذي لم يسجل له أي إنجاز يذكر حتى اللحظة. إضافة إلى تنامي الحراك الداخلي الرافض للحرب والمطالب بوقف الخسائر البشرية وإعادة الأسرى إلى ذويهم.                                                                                                                                  فما تتحدث عنه حكومة الحرب يقتصر على إنجازات وهمية لا يصمد أبرزها سوى ساعات قبل أن ينكشف. وما زالت عاجزة عن اكتشاف لغز الأنفاق، ولا القدرة التصنيعية الذاتية لمتطلبات إدامة المواجهة، ولا غير ذلك من أمور أساسية. وما زالت غير قادرة على تبرير عمليات القتل التي يتعرض لها الأسرى لدى حماس على يد جنود الاحتلال الذين يرفعون شعار تحريرهم.  فباستثناء نفق قالت حركة حماس إنه أعد خصيصا لاستخدامه في عملية “طوفان الأقصى” ولا يرتبط بالشبكة الرئيسة لم تفلح قوات الاحتلال في الوصول إلى أي مرفق من المرافق العسكرية.

 

وباستثناء محاولة فاشلة لم يقترب جيش الاحتلال من الأسرى المتواجدين لدى المقاومة، ولم تكشف تل أبيب عن أي إنجاز عسكري. بينما تواصل المقاومة الكشف عن إنجازات موثقة تنال من قوات الاحتلال التي بدت مرتبكة وغير قادرة على المواجهة أو التعاطي مع حرب المدن. فكل ما تفعله هو الحرب من خلال الدبابات والآليات والطائرات. الأمر الذي يضع تلك الصورة في عداد “الخيال”، وضمن إطار الأمنيات التي يصعب تحقيقها.       

                                                                            يساعد على ذلك أن المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس ما زالت تمتلك الكثير من المقومات التي تمكنها من مواصلة الحرب. عدا عن إدارتها المتميزة للمواجهة. وقدرتها على تجديد نفسها وإدامة التنظيم.                                                                                                                    اللافت هنا، اتفاق إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول على التعاطي مع” مستقبل غزة ما بعد الحرب”. لكنها تختلف في الكثير من التفاصيل. فجميعها تفترض ضمنا أن حركة حماس بشكل خاص، والمقاومة بشكل عام بحكم المنتهية ضمن هامش وقتي يطول أو يقصر. وهي بذلك تستند إلى فارق القوة بين الطرفين، حيث تمتلك إسرائيل تجهيزات تصنف جيشها- نظريا- كواحد من أقوى جيوش العالم عددا وعدة. بينما المقاومة تخضع إلى حصار عمره عقود عديدة، وتعاني من شح في الموارد، ومن حرب معلنة وغير معلنة على مستوى العالم، بما فيها السلطة الفلسطينية وغالبية الدول العربية.         

 

                                                                              هذه الصورة التي يجري الحديث عنها بصوت مرتفع أحيانا، وعلى شكل اتصالات ومباحثات ثنائية ومتعددة الأطراف، تكاد تطغى على الأصوات الرسمية وبخاصة تلك التي ترتبط بمصالح مع الولايات المتحدة التي تؤيد الفكرة وتختلف مع إسرائيل في بعض تفاصيلها، وتتقاطع مع دول ثانية في تفاصيل أخرى.                                                                                                  فبينما ترفض حكومة بايدن فكرة احتلال القطاع وترى أن مواصلة القصف والتدمير والقتل تسيء إلى صورة واشنطن في العالم وتحركه ضدها، تتمسك تل أبيب بالمشروع وتراه مهما لوجودها، وحلا يناسبها ويحقق مصالحها. وترى دول أخرى من بينها الأردن ومصر أن قطاع غزة جزء من الأرض الفلسطينية ولا بد من عودته إلى السيادة الفلسطينية ضمن حل الدولتين الذي تتمسك به، والذي تعترف جميع الأطراف بأن المقاومة نجحت في إعادة فتح الملف الفلسطيني بعد أن تجاوزته إسرائيل، ونسيته غالبية دول العالم.


ويبقى السؤال هنا، هل تدمير حماس سيكون بمثل هذه البساطة؟ وهل تستطيع حكومة الحرب إدارة غزة في ظل “حماس متجددة”؟ وهل يمكن تفصيل نظام حكم لقطاع غزة بدون مباركة وموافقة ومشاركة أبنائه؟


يبدو أن كل تلك التساؤلات معروفة الإجابة.. إذ من المستحيل أن يدير القطاع غير أهله المتجذرين هناك والذين يفضلون الموت بدلا من الهجرة أو القبول بحكم إسرائيل.


أما الحديث عن مستقبل القطاع فيبقى مجرد تهويش إعلامي أو خطأ إستراتيجي قاتل.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا