صفقة متعثرة ومفاوضات كسر عظم

ما بين تسريبات واشنطن، وبيانات تل أبيب، وجولات بايدن، هناك هوّة واسعة يمكن لمن ينظر من خلالها استشراف حقيقة الموقف فيما يخص الصفقة التي يجري الحديث عنها، والتي يرى بعض المتابعين أنها أصبحت وشيكة ويراها آخرون بعيدة. 

اضافة اعلان


فالهوة المرشحة للاتساع في كل لحظة، تكشف عن خلافات لا تنبئ بقرب إبرام تلك الصفقة، ذلك أن الخلافات ما زالت أكثر تعقيدا من عناصر التوافق داخلها. فالخلافات بين بايدن ونتنياهو بلغت حد تبادل الشتائم" عن بعد". والانقسامات في بيت حكم سلطة الاحتلال تطورات إلى مستوى المشاجرات وتدخل الحراس الشخصيين، وحولت الحكومة إلى ما يشبه بيت العنكبوت يهتز مع كل زوبعة معارضة، ويحتاج إلى أمن داخلي للفصل بين رموز التطرف الذين يتسابقون على تعطيل أي مشاريع من شأنها أن تعترف بصعوبة الواقع والخروج بأقل الخسائر. 


والخلافات مع الشارع تتصاعد يوميا، حيث يواصل ذوو المحتجزين لدى المقاومة اعتصاماتهم مطالبين باستعادة أبنائهم، ويرفضون الردود الحكومية ويعتبرونها مصلحية وغير مقنعة. 


اللافت هنا، أن الولايات المتحدة التي تتبنى  "الصفقة" وتضيف لها مشروعا لحل الدولتين، وتكلف مبعوثيها بالترويج لها والضغط على أطراف متعددة لاعتمادها، تواجه صعوبة في تقمص دور الوسيط، كونها ما زالت طرفا يقاتل إلى جانب إسرائيل، ويتبنى مواقفها المتطرفة.


فمن جهة، ترفض وقف إطلاق النار، وتطالب بهدنة مؤقتة. وتواصل قصف مواقع الحوثيين في اليمن، ومواقع أخرى في العراق، وتلوح بضرب إيران انتصارا لإسرائيل. 


ومن جهة أخرى تعلن مباركتها لقيام دولة فلسطينية لكنها تتبارى مع المتطرفين الصهاينة في وضع العقبات في وجه تلك الدولة وفي حقوق الشعب الفلسطيني حيث تشترط أن تكون دولة منزوعة السلاح، وخاضعة بشكل كامل لإملاءات إسرائيل وخاضعة للتدخلات الأميركية والإسرائيلية في كل شؤونها.


وبغض النظر عما إذا كان مشروع الدولة ناجما عن قناعة أميركية باستحالة تحقيق الأمن لإسرائيل دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم من خلال الدولة المستقلة، هناك من يرى أن الطرح الأميركي ليس جادا، وأنه مرتبط باستحقاق الانتخابات الرئاسية وتراجع شعبية بايدن وحزبه الديمقراطي.  


وفي هذا السياق يستذكر محللون ما يحدث منذ عشرات السنين، إذ يطرح كل رئيس منتخب مشروع الدولة لكنه ينخرط في قضايا أخرى ولا يتذكر الملف إلا في نهايات فترة حكمه وقبيل موعد الانتخاب وعندما لا يسمح الوقت بتطبيق اية فكرة من هذا القبيل. 


والحديث عن الدولة هذه المرة أشبه بأسطوانة مشروخة يستغلها بايدن مستندا إلى رفض نتنياهو ووزراء من حكومته الائتلافية ـ حتى اللحظة ـ فكرة الدولة الفلسطينية ويصنفونها ضمن دائرة الخطر الشديد على الكيان. 


كل ذلك لا يعني أن "الصفقة" غير موجودة، لكنها ـ كما يبدو ـ ما زالت متعثرة، فالتسريبات تتحدث عن توافق على الإطار العام، وكسر عظم في المفاوضات على التفاصيل. ذلك أن المقاومة لم تغير من شروطها، وترى أنها في موقف يمكنها من التمسك بتلك الشروط.


فبينما يبدي العديد من الوزراء موافقتهم على صيغة تبادل الأسرى وفقا لما تتمسك به المقاومة" الكل مقابل الكل"، يرفض نتنياهو المبدأ ويتمسك بمعادلة" 3 مقابل واحد" و" فيتو" على بعض الأسماء. 


وبينما تتمسك المقاومة بمطلب وقف العدوان يرفض نتنياهو وبعض وزرائه هذا المبدأ ويتخطاه إلى بعض المشاريع الاحتلالية، وأبرزها التمسك بفكرة السيطرة على قطاع غزة وبشكل أكثر إلحاحا المنطقة الحدودية بين مصر والقطاع وإعادة الاستيطان لها، وإقامة منطقة أمنية عازلة حولها.


ومن المشاريع الجديد نقل معبر رفح إلى موقع جديد في نقطة الحدود بين القطاع ومصر وإسرائيل. وبحيث تكون هناك سيطرة كاملة "فيتو" لإسرائيل على ذلك المعبر. مع إقامة جدار أمني في الحد الفاصل بين غزة ومصر. 


ومن مشاريع نتنياهو استخدام واشنطن كل الوسائل الممكنة للضغط على مصر من أجل إبرام اتفاق خاص بين الطرفين يغطي أي ثغرة أمنية أو حدودية تراها تل أبيب ضرورية لها. 


وفوق ذلك كله ترفض إسرائيل أن يكون للمقاومة أي دور في إدارة شؤون القطاع، وأن تختار ـ هي ـ من يدير شؤونها الداخل والخارج. 


كل ذلك  ـ إن كان دقيقا ـ يجعل من الصعب، بل من المستحيل أن تتحقق الصفقة. أما إن كان مجرد موقف تفاوضي تحاول إسرائيل من خلاله الضغط على المقاومة لتحقيق بعض المكاسب، فالمرجح ان تضطر حكومة الحرب للتنازل من جديد، إما لضغوط خارجية أولأسباب مصلحية. 


ويبقى السؤال: متى؟ وكيف؟

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا